الكاتب : حازم خضر
ذهبت باريس في موقفها العدائي إزاء سوريا حدا يذكر بما انتهجه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ضد سوريا واتهامها بالوقوف وراء اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري عام 2005. فخلافا لسير علاقات متنامية وتشاور رفيع المستوى بين العاصمتين الصديقتين منذ وصول نيكولا ساركوزي الى الإليزيه، بدا أن الفرنسيين يقودون الحراك الدولي بالتوازي مع واشنطن ضد سوريا على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها سوريا ومحاولة إرباك القيادة السورية عبر طرح شعارات كبيرة تناوب على طرحها الرئيس ساركوزي ووزير الخارجية آلان جوبيه فبدأ الأول بتهديد سوريا بالعقوبات على خلفية ما اسماه قمع المتظاهرين السلميين، وذهب الثاني الى حد الحديث عن شرعية النظام في سوريا على خلفية العملية العسكرية في درعا .
لا يمكن فهم الموقف الفرنسي ضمن الحديث عن الحرص على حق التظاهر أو حقوق الإنسان كعنوان عريض استخدمته باريس تبريرا لموقفها المستجد كما الدول الأوروبية الأخرى ضد دمشق. ثمة ما يتصل اليوم بأجندات سياسية تريد باريس تمريرها تحت ذلك العنوان العريض . أجندة تضم فيما تضم ضرورة لي الذراع السورية بعد رفضها، رغم كل الضغوط والمغريات ،البحث في تغيير سلوكها السياسي وخصوصا ما يتصل بالعلاقة مع طهران العدو الأول للغرب اليوم وقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية .
تحضر تلك الأجندات قوية في أي قرار أوروبي . مع الذهاب بعيدا في مبالغات تتجاوز اللياقة بالتعامل بين الدول ، وتجعل الموقف يراهن على تطورات غير واقعية والذهاب بما يتوافق مع السلوك الفرنسي في الحالة الليبية والورطة التي وقع بها ساركوزي بحضه على التدخل العسكري في دولة مستقرة باتت بين ليلة وضحاها على شفا حرب أهلية تهددأتت حتى اليوم على حولي 10 آلاف قتيل معظمهم من المدنيين فضلا عن آثار الغربي الذكي الذي طال أحد أبناء وثلثاة من أحفاد القذافي .
تريد باريس ، كما هو واضح ، الرهان على ضعف النظام في سوريا بحثا في تحصيل تنازلات في الملفات الكبيرة بدءا بتخفيف قبضة حزب الله في لبنان كهدف عاجل اليوم، وحتى الفصل بين دمشق وطهران وبالتالي إضعاف الحضور الإيراني الإقليمي في الملف الفلسطيني واللبناني وتقليم أظفاره في العراق. هذه مطالب مهمة في الإستراتيجية الغربية عموما في ظل المواجهة السياسية حتى اليوم مع طهران والتحضير ربما لأي مواجهة عسكرية أو ضربة مؤجلة للمواقع النووية الإيرانية كهدف أمريكي فرنسي إسرائيلي.
الفرنسيون لم يبدوا تلك الحماسة ، مثلا ، مع التطورات التونسية ومن ثم المصرية رغم تباين الحال بشكل جذري ، واختلاف طبيعة الاحتجاجات بين ما جرى على الأرض من ملايين أرادت الإطاحة بالنظامين التونسي والمصري على التوالي ، فيما واقع الأمر في سورية لا يزال يتحدث في أبعد التقديرات عن مظاهرات بالآلاف للمطالبة في العنوان العريض بالحرية وبإصلاحات سياسية وضرب للفساد .
الرؤية الشاملة تجعل من التدخل الفرنسي عملية مكشوفة ومفضوحة لا تستقيم مع العناوين التي طرحها جوبيه عن الشرعية بل تستقيم في جانب أخر بمطالب سياسية تسقط عندها كل تنطع للدفاع عن الحريات والحقوق التي لم يعرف عن فرنسا يوما الوقوف لدعمها بقدر وقوفها الى جانب مصالحها أولا وأخيرا.