الكاتب : حسان عبه جي
تناقلت بعض وكالات الأنباء منذ صباح اليوم أنباء عن دخول الجيش إلى مدينة بانياس، في وقت شهدت فيه سورية تظاهرات في معظم المناطق، ورغم تفاوت المعلومات حول حجم تلك التظاهرات، لكن معركة الأرقام حسب بعض المراقبين لم تعد تحكم طريقة تغطية الحدث السوري، فالحديث عن "عشرات الآلاف" أو "عشرات" من المحتجين لم تعد قضية إعلامية أو سياسية، وذلك بعد أن تم تأسيس حراك دولي بشأن ما يجري في سورية.
وطافت المحطات الفضائية السورية في معظم المدن والأحياء التي شهدت تظاهرات، وذلك في إشارة إلى أن ما حدث يحمل سمة محدودة ولم يؤثر على حركة الناس، وظهرت بعض التقارير داخل الصحافة العربية أو حتى الأجنبية تتحدث لأول مرة على مسألة "زخم الاحتجاجات" التي بدت في تراجع، وعلى الأخص أن حجم الاحتكاك مع قوات الأمن انخفض بشكل واضح، إلا أن الصورة التي ظهرت أمس تحمل سمة تصعيد من نوع مع مختلف وذلك مع ظهور غطاء دولي إن صح التعبير، مثلته القرارات التي صدرت عن مجلس الاتحاد الأوروبي، وهي مازالت تحتاج إلى تصديق من دول الاتحاد، إضافة للجنة التحقيق التي ستزور سورية يوم الاثنين.
من جانب آخر فإن الموقف الأمريكي يبدو أكثر حذرا رغم أنه "أدان القمع ضد المتظاهرين"، وهو ينطلق وفق المؤشرات الأساسية من عدم القدرة على تأسيس "نموذج سياسي سوري" يمكن النفاذ إليه والضغط عليه بقوة، ويبدو ربط الحدث السوري بالإيراني كنوع من محاولة تأسيس هذا النموذج داخل السياسة الأمريكية، أما بالنسبة لفرنسا فالأمر مختلف نوعيا، وإشارات الاستفهام التي يفتحها الموقف الفرنسي أكثر من الإجابات التي تقدمها التصريحات، فمسألة العقوبات ومحاولة فرنسا للذهاب بها بعيدا يحمل عاملين أساسيين:
الأول مرتبط بـ"الرهان" على حركة الاحتجاج نفسها من أجل إحداث تحول واضح في مسيرة المصالح الفرنسية في المنطقة، وحسب بعض المصادر العربية في فرنسا فإن ما يجري أروقة الإليزية يرتبط بمراجعة الحسابات بالنسبة للعلاقات الفرنسية - السورية، حيث تجد بعض الأطراف أن دمشق استفادت من الانفتاح على باريس لتكرس خطا سياسيا له أبعاد إقليمية أكثر من كونه داعما للمسار الذي حاول خطه الرئيس نيكولا ساركوزي في محاولة لاستعادة دور فرنسي جديد في المنطقة، فهؤلاء يرون أن السياسة السورية الحالية تميل إلى خلق توازن في علاقاتها الدولي لصالح إيجاد واقع إقليمي مستقل ويحمل رؤية تبدو بعيدة عن طموحات الرئيس الفرنسي في مسألة المجال المتوسطي.
الثاني يُسند الموقف الفرنسي إلى اتجاه ساركوزي في التعامل مع التحولات العربية بعد الدرس التونسي، فهو يريد تأسيس سياسة يجدها في عمق ما تحمله فرنسا من إرث خاص بموضوع الثورات، فهناك محاولة "رايدكالية" إن صح التعبير في التواجد داخل الشرق الأوسط من خلال التحولات التي تجري حاليا.
طبيعة المواقف الدولية اليوم تشكل المساحة الحقيقية لحركة الاحتجاج القائمة، فالرهان على الداخل السوري لم يعد بيد من يخرجون بتظاهرات، بل هو موجود في عمق الدبلوماسية الدولية التي تريد فرض شروط جديدة على سورية ربما تعيد رسم أدوارها الإقليمية، بينما تبدو السياسة السورية متحركة على أساس أن قدرتها على التحكم بالأزمة هو الذي يضمن لها موقعها داخل كافة قضايا الشرق الأوسط، والأسابيع القادمة ستشكل تشابكا حقيقيا لمسألة "الحدث السوري" لأنه بات يحمل الكثير من العوامل المتحركة والمنفصلة نوعيا على "المطالب" التي يتم طرحها كعناوين لـ"التظاهرات".