الكاتب : حسان عبه جي

الإعلام وبمختلف اتجاهاته مستمر في تغطية ما تشهده المنطقة الوسطى في سورية، فيما تبدو الروايات وكأنها صراع حقيقي لم يعد بالإمكان وضعه في مسار "الاحتجاجات" أو التظاهرات"، فبعض الفضائيات نقلت صورا ليلية لاعتصام في مناطق حوران، لكن سير الحدث بذاته يتعارض مع قضية "الحراك الشعبي"، ففي حمص وبانياس طالت أعمال العنف عمالا قادمين من لبنان وبعض الموظفين حسب بعض الروايات، أما في بانياس فاستمر الحديث عن "عملية معقدة" تبعها هدوء نسبي، بينما تحدثت بعض المصادر عن إعادة فتح الطريق الدولي.

ومع كثرة الروايات المنقولة عبر الفضائيات فإن المشهد السوري بات يحمل معه حالة ربما تسبق الإعلام، وربما لم يعد مهما مدى حرفية التقارير التي يتم بثها، أو حتى صدق المعلومات التي تنقل من خلال الصورة، فالكم الإخباري الذي يتم بثه هو الأساس في الحملة الإعلامية أو في الحملة المضادة التي يتعامل معها الإعلام السوري.

عمليا فإن حركة الإعلام هي التي تعطي على ما يبدو للحراك الحالي "شرعيته" وذلك على الأقل في سوية انعكاس ما يحدث على الساحة السياسية الدولية، وفي المقابل فإن التغطية السورية للحدث تقدم جانبا يقصد منه تجميع الرأي العام عبر تفكيك "الصورة" التي تم تقديمها، أو عرض الجانب الآخر لما يجري من خلال تشييع شهداء الجيش والقوات الأمنية، او حجم التخريب الذي حدث نتيجة بعض التظاهرات.

لكن ما يحدث في العمق ليس فقط "صراعا إعلاميا" لأن الأيام القاسية التي تعيشها حمص وعاشتها مدن سورية أخرى تملك وجه آخر، فهناك معركة حقيقية على مستوى "كسر" الجغرافية السورية، وما يحدث هو محاولة حقيقية لتقديبم المشهد السوري وفق مساحة "المناطق" التي تجري فيها الاحتجاجات، فالإعلام الذي يتعامل مع الحدث ربما لا يستطيع رصد نوعية التداعيات التي يمكن اعتبارها سببا إضافيا لإرباك المجتمع او حتى إنهاك مؤسسات الدولة.

في الترتيب العام فإن يوم "الجمعة الفائت" أطلق عليه جمعة التحدي، وهو شهد استعراضا إعلاميا واضحا في مسألة نقل التظاهر، لكن الواضح أن حجم التعامل الإعلامي لم يستطع رسم نوعية الإرادة العامة داخل المجتمع تجاه الواقع الذي تعيشه سورية، في المقابل فإن الإعلام الرسمي أراد كسر الصورة المقدمة فتجول في المناطق التي تم الحديث عن أنها شهدت تظاهرات، وفي اليوم التالي تبدل الوضع ميدانيا باتجاه تصعيد مختلف، ففي مدينة حمص التي شهدت يوم جمعة صاخب على الأطراف، عادت يوم السبت لتشهد حالة مختلفة من الاستعراض في مسألة التظاهر، وانتهى الأمر يوم الأحد لصدامات وعنف في منطقة بابا عمر الملاصقة لجامعة حمص.

ما نفهمه من هذا التحرك أمرين أساسيين:

الأول هو أن العملية الأمنية لم تؤثر على شكل الاحتجاجات أو حتى مناطق تلك التظاهرات، فسقوط الضحايا بقي محصورا في المناطق التي شهدت اشتباكات مسلحة وتطور الأمر خلال الأسبوعين الماضيين إلى محاولات قطع الطريق بين شمال سورية وجنوبها أو بين الساحل والداخل السوري، وبهذه الصورة فإن الاحتجاجات ربما تطفو على سطح الحدث، لكن العنف الحقيقي هو في الرهان على إسقاط شرعية الدولة، وليس النظام، لأن ما يحدث هو محاولة فرض أمر واقع في سورية يفرض قوة غير قوة الدولة.

الثاني تطور الحدث السوري يسير باتجاه البحث عن الصدام طالما ان الاحتجاجات لم تستطع بناء إرادة عامة تجاه حركة الاحتجاج، فالعنف هو النتيجة الأساسية في معركة بدت خاسرة حتى اللحظة مع الإرادة الاجتماعية، وربما من هذه الزاوية بدأ الترويج لمسائل "الانشقاق" في جهاز الأمن والجيش وبالتأكيد فإن مثل هذا الحديث لا ينطلق من أي قراءة لمصلحة الوطن لأن مثل هذا الحديث هدفه النهائي إظهار انكسار الدولة وتشظيها وليس أي شيء آخر.

بالتأكيد فإن حديث السوريين يبقى حول "اليوم التالي"، لأن الأمر بالنسبة لهم هو مستقبل وطنهم وليس مجرد انتصار "الاحتجاجات" أو هزيمتها، وهم في نفس الوقت يعرفون أن المعركة الحالية أخذت منذ أسبوعين مساحة جديدة مع ظهور الصراع المسلح ضد الدولة كأهم عنصر داخل الحدث، وفي النهاية فإن معركة الإرادة العامة لا يمكن أن تكون إلا بالحراك السياسي والاجتماعي الذي بات النافذة الأساسية للخروج من أي أزمة.