الكاتب : جورج حاجوج

شخصياً، وفي حضرة الدم السوري.. لم يعد مهماً بالنسبة لي، كل ما يهدر من وقت ويسفح من حبر للحديث عن حلف الأطلسي ودوره الجديد ـ القديم على المسرح الشرق أوسطي.. ولم يعد مهماً الحديث عن الدور الأمريكي في المنطقة، وعن المحاولات الأمريكية والفرنسية "لإعادة التموضع" في المنطقة..

شخصياً، وفي حضرة الدم السوري.. لم أعد مكترثاً بمراكز الدراسات الدولية وما تنتجه من متاهات سياسية واستراتيجية، لتظهر لنا تداعيات "الحدث السوري" ومؤثراته على مسار السياسات الدولية والإقليمية، والصورة الجديدة لهذه السياسات..

شخصياً، وفي حضرة الدم السوري.. ليس مهما بالنسبة لي الحديث عن انعكاسات "الحدث السوري" على الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" ولبنان والأردن وروسيا والعراق والبحرين وإيران والاتحاد الأوروبي والاتحاد من أجل المتوسط وهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومنظمة الأغذية العالمية واليونيسكو وأفغانستان وباكستان والهند والصين وفنزويلا وكندا والمكسيك وإندونيسيا وأوستراليا و.. و..!.

شخصياً، وفي حضرة الدم السوري.. لا أكترث لمقتل أسامة بن لادن الذي كانت تؤجله واشنطن إلى أن تأتي الفرصة المناسبة.. ولا يعنيني إلهاء البشر و"لحس عقولهم" بالتوقعات والتخمينات حول من سيكون خليفة لابن لادن، كي تستمر اللعبة من جديد..

شخصياً، وفي حضرة الدم السوري.. لن أعطي أذناً أو عيناً، لكل ما يرشح عن منظمات وجمعيات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية، وحتى المحلية إذا شئتم.. ولن أعطي أذناً أو عيناً لكل شهود العيان والتقارير ومقاطع الفيديو، صادقة كانت أم كاذبة..

شخصياً، وفي حضرة الدم السوري.. لن أشغل نفسي بما تبثه الفضائيات وتعيده وتكرره إلى أن يصيبنا إحساس بالغثيان.. لن أشغل نفسي بالتقارير الاستخبارية التي تسرّبها الفضائيات وباقي وسائل الإعلام عن سبق إصرار وترصد..

شخصياً، وفي حضرة الدم السوري.. لن أشغل نفسي بما يُنشر على صفحات ما يُسمى بمواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت بقدرة قادر إلى منابر للخراب والعبث والتضليل والتحريض على هدر الدم السوري..

شخصياً، وفي حضرة الدم السوري.. لن أدع الأفلام المفبركة ـ كلياً أو جزئياً ـ تسرق مني وقتي واهتمامي بما هو أهم منها.. لن أسمح للإعلام والإعلام المضاد أن يفعل الأمر نفسه.. لن أسمح لكل الندوات والاستضافات والمحلليين الاستراتيجيين والمحترفين والهواة أن "يلحسو عقلي" بتحليلات وقراءات لـ "الحدث السوري"..

شخصياً، وفي قلب هذه المتاهة، وأيضاً في حضرة الدم السوري.. لن أشغل نفسي إلا بتلك الدموع التي انهمرت ـ دموع الآباء والأمهات والأهم الأطفال ـ معلنة بكل بساطة، وبعيداً عن كل التنظيرات والفذلكات والقراءات السياسية والتحليلات الاستراتيجية: أن سوريا للجميع.. أن مستقبل سوريا للجميع.. أن سوريا فوق الجميع.. أن سوريا فوق كل الإيديولوجيات والأحزاب والمذاهب والطوائف والعشائر والقبائل..

تلك الدموع، وتلك الدماء السورية التي سالت، وحدها الرسالة التي أستطيع، شخصياً، الركون إليها..

وحدها الرسالة الصافية الخالية من أية شكوك أو التباس.. وحدها تستطيع أن تدعو الجميع إلى الإيمان بأن سوريا ـ الوطن والمجتمع ـ مُلكٌ للجميع.. بناؤها وإصلاحها مسؤولية الجميع، ودمارها وخرابها ـ بكل المعاني ـ مسؤولية الجميع.. هذا ما يجب أن يعلّمنا إياه الدم السوري الحار..