الكاتب : نضال الخضري

لم أشهد من قبل مشهدا مماثلا، وربما لن أعيش حتى أرى حالة تقارب ما يجري اليوم، فالحدث السوري وبهذا الشكل نادرا ما يتكرر لأن الرهانات داخله على ما يبدو كبيرة، وعندما كنت قبل أسابيع أتابع سير المظاهرات لأقدم مقارنة بين ما يجري في دمشق وما حدث في مناطق أخرى من المنطقة، لم أكن مطمئنة لأن الصورة منذ البداية كانت تحمل معها إشارات خطرة، وبالتأكيد لا أستطيع الاقتناع بأن تظاهرة لم يتجاوز الحضور فيها 50 على أعلى تقدير، انطلقت في منطقة الحميدية في دمشق، أشعلت شرارة "ثورة" شعبية... الأمر ليس مبيت لكنه بالتأكيد قابل للدخول بسيناريو أو اثنين أو ثلاث....

الحدث من البداية قدم "تظاهرة" لكن من كان يصورها تحدث وبصوت درامي عن مذاهب وغيرها، وكأنه يشكك بالنسيج الاجتماعي أو أنه مقتنع بأن هذا النسيج قابل للتموضع، أو ربما هو يريد خلق حدث يحمل تداعياته التي يمكن أن تقود باتجاهات مختلفة، ومسألة الخوف تبدأ من هذه النقطة لأن "المشهد السوري" بدا وكأنه (يُطبخ) على عجل، فالمسألة هنا ستضعنا في دائرة الحيرة، وإذا أردنا ان نخرج من الروايات الجاهزة عن "مؤامرة" أو "ثورة" فإننا لا نستطيع أن نقدم مشهدا متكاملا لأنه مزيج من كل شيء... أو أُريد له أن يحمل كل شيء لأن سورية لا تستطيع أن تتعامل مع التفاصيل!!!

الخوف بدأ من المسار الذي يحملك إلى مناطق غير متوقعه، وهو في نفس الوقت يفجر معارك لا علاقة لها بأي مظهر "احتجاجي" أو مطلبي أو حتى في رغبات التحول السياسي، لكن الوجه المسلح حتى مع إنكار الفضائيات له، أو ظهور شهود عيان لينسفوه، لكنه بات موجودا حتى ولو وقف الإعلام في مكان آخر، وفي نفس الوقت هناك تعمد واضح للحديث عن "الجيش"، وكأنه "فئة" متورطة بما يحدث وليس مؤسسة يتم تكليفها بمهام وعلى الأخص في زمن الأزمات... الجيش يتعرض لأقسى معركة ربما يخوضها لأنها تدخل في "التشكيك"... لكننا نشهد صور شهدائه الذي يجمعون جغرافية الوطن بلحظة.

الخوف الحقيقي هو في "التشكيك" الدائم بكل شيء: بنوعية الحدث وبمؤسسات الدولة، وبالفنانين، وحتى بالإرادة العامة للناس... تشكيك يتوفر في أي لحظة نتيجة الضغط العصبي المُمارس من قبل الإعلام، فاليوم كلنا نعرف أن هناك محتجين، وكلنا نعرف أيضا أن التظاهرات أصبحت سمة متوفرة في العديد من المناطق، لكنها تبدو في مشهد إعلامي فريد لأنها ترسم خطا دراميا وكأننا نعيش أحداث مسلسل يُعرض في رمضان، لكن حياتنا هي على أرض الواقع وما يحدث لا يمكن أن يتحكم به أعظم كتاب السيناريو... ما يحدث هو في سورية وليس تصورا في استوديوهات هوليود التي على ما يبدو وسعت أعمالها باتجاه نشرات الأخبار.

التشكيك هو أخطر ما يجري، وهو الذي يجعلنا خائفين وربما مترددين، لأننا نشهد بالفعل وجها لسورية بإخراج تلفزيوني متبدل.