الكاتب : سورية الغد
فيما واصل الجيش السوري عملياته في محيط بانياس وحمص، فإن بعض الفضائيات السورية نقلت أن العملية أسفرت عن تفكيك غرفة عمليات في مدين بانياس الساحلية السورية، إضافة لكشف وثائق ومخازن أسلحة في مزارع محيطة بالمدينة، وكان اللافت أمس الاعتصام الذي قام به بعض السوريين في ساحة عرنوس في قلب دمشق لكنه انفض سريعا بعد ان تدخلت قوات الأمن.
وتصف المصادر المطلعة العملية العسكرية في منطقتي بانياس وحمص بالدقيقة والحساسة، وهي مصطلحات تؤشر إلى طبيعة العمليات التي يمكن ان تؤدي إلى انتهاء الوضع الأمني المضطرب الذي عاشته وسط البلاد، وأدى إلى قطع معظم الطرق الدولية التي تلتقي عمليا في مدينة حمص، فعمليات إطلاق النار على بعض الحافلات أدت خلال الأيام القليلة الماضية إلى "شبه شلل" في الحركة بين المحافظات السورية.
المشهد السوري اليوم ووفق سير الحدث ينتقل من مساحة "الاحتجاج" أو "التظاهر" باتجاه رسم حركة مختلفة تحمل معها مؤشرين أساسيين:
الأول - إلغاء الحد الفاصل بين المطالب السياسية و "التحرك المسلح" الذي ظهر بقوة على سطح الحدث، وصراع الروايات على الفضائيات لم يعد مفيدا حتى ولو تفوقت الحملة الإعلامية للفضائيات الدولية على مثيلتها السورية، فالمسألة ليست إقناعا للرأي العام، بل هي محاولة جعل "الدم" طابعا عاما داخل المجتمع وليس فقط مجرد عنوان لمجابهة محتجين مع رجال الأمن، وهذا الإلغاء يحمل معه تحطيما لأي معادلة داخلية سورية قادمة، فرسم ما يحدث على أنه "قمع" فقط لم يعد مقنعا حتى ولو بقي بعض "النشطاء" في الداخل والخارج يتحدثون بنفس الخطاب الذي استخدموه سابقا في عام 1980 عندما حصل الصدام مع حركة الأخوان المسلمين.
الثاني - الصراع على الزمن لأن ما يجري هو خارج مسألة الرأي العام في سورية، فالواضح من حركة التظاهر التي تحدث يوم الجمعة أنها لا تقدم أي نموذج جديد على الطريقة التي بدأت بها الاحتجاجات قبل أقل من شهرين، أما الجديد الحقيقي فهو "الإنهاك المسلح" الذي يحمل بذاته نتائج واضحة على الأرض سواء عبر الحد من حركة مؤسسات الدولة العادية وليس الأمنية، أو حتى تهميش أي حراك سياسي قادم لأن دورة العنف لا تترك أي مساحة للتحرك.
بالتأكيد فإن مسألة "عودة الأمن" بمعناها الذي يحمل التنقل عبر المحافظات السورية، أو الهدوء الذي يمكن ان تسترجعه المحافظات التي شهدت اضطرابات هي أقرب للعصيان المسلح منها إلى التظاهرات السلمية، سيشكل أولوية بالنسبة لمؤسسات الدولة كافة، لكن الدرس الأساسي الذي يمكن أن ينتج مع الأزمة التي تعيش فيها سورية هو ان الحياة السياسية تبقى ضرورة لاستيعاب النتائج التي ستخلفها تلك الأزمة، وربما ستشكل خط أمان لتفاعل حقيقي داخل المجتمع، فما يعيشه السوريون اليوم لا يرتبط فقط باستوديوهات البث المباشر وبالتقارير التي يتم رسمها بهدوء داخل المحطات، فهم يدخلون اختبارا صعبا على مستوى وحدة المجتمع وعلى صعيد قدرتهم في رسم مستقبلهم الذي سيبقى على ما يبدو يصارع سيناريوهات مختلفة تظهر في اللحظات الخاصة التي تعيشها بلادهم.