الكاتب : مازن بلال

غابت ذكرى النكبة عن كثير من وسائل الإعلام العربية، لتحتل مكانا ثانيا أو ثالثا في نشرات الأخبار والتقارير المفصلة، فيما احتل الحدث السوري المساحة مع أنباء عن دخول الجيش إلى "تل كلخ" المدينة الحدودية مع لبنان، ووسط عدم وجود معلومات كافية فإن الجانب اللبناني من الحدود شهد حركة إعلامية بالدرجة الأولى، حاولت رصد الداخلين من منطقة "جسر خالد".

وإذا كانت ذكرى النكبة بالنسبة للسوريين تمر بصعوبة وسط حدث سوري استثنائي، فإنها في نفس الوقت حملت معها أخبارا مرتبطة بما يجري على الأرض السورية وذلك مع أنباء عن مقابلة لـ"عبد الحليم خدام" مع القناة الثانية الإسرائيلية تحدث فيها عن مشاريع تبدأ بإسقاط الحكم وتنتهي بعقد اتفاقية تسوية مع إسرائيل، مقراً بدوره في أحداث سورية وفيما سماها «حكومة الظل» المدعومة أميركيا وأوروبيا، قائلاً: إن "النظام السوري سيسقط خلال شهر أو شهرين على أبعد تقدير".

من جانب آخر فإن ارتباط الحدث السوري بالفلسطيني لا يبدو بعيدا رغم أن اتفاقية المصالحة الفلسطينية عقدت بالقاهرة، مسألة الملفات الخاصة بالصراع العربي - الإسرائيلي تدخل حسب عدد من التقارير في مرحلة جديدة، حيث لم تعد "التسويات" أو "اتفاقيات السلام" قادرة على خلق وضع سياسي خاص في الشرق الأوسط، فمع رحيل نظام حسني مبارك فإن "المرحلة التاريخية" لـ"السلام" التي افتتحها الرئيس المصري أنور السادات ربما تكون انتهت بالكامل، والمراجعة لتطورات المنطقة بينت أن الصعود الجديد لمسألة الصراع سواء عبر الانتفاضة الثانية أو حتى حرب 2006 في لبنان ومن ثم حرب غزة 2008 - 2009 حملت معها تصورا استراتيجيا جديدا بدأ يتبلور سريعا في عام 2010.

بالنسبة للحدث السوري فإن دلالات لقاء عبد الحليم خدام هي مجرد مؤشر إعلامي فقط، لكن ما يجري في سورية يترافق مع حركة إقليمية غير مسبوقة، فالملاحظ ان هناك ثلاث أدوار أساسية تتصاعد منذ بدء الاحتجاجات في سورية:

الأول هو العامل التركي الذي دخل بشكل مباشر وسريع، وهو عمليا وإن لم يربك الحكومة السورية لكنه أربك المنطقة، لأنه حمل معه نوعا من انتهاء الشكل السابق للتعاون الإقليمي بين دمشق وأنقرة، فإذا كانت دمشق ممتنعة حتى الآن عن إصدار تصريحات رسمية، لكنها في نفس تعرف أن العلاقة مع تركية تحتاج إلى دراسة جديدة، وتركيا أيضا تجد نفسها اليوم جزء من الأزمة التي تفجرت على امتداد المنطقة، دون أن تظهر منها "حلول إبداعية" كتلك التي حاولت تقديمها سابقا وعلى الأخص خلال الحرب على غزة.

الثاني بوادر جبهة عربية محورها الأساسي منطقة الخليج لكنها تسحب معها الأردن، التي تتميز أساسا بالتداخل السكاني مع الفلسطينيين، وهو أمر يعني بالضرورة أدوارا جديدة للأردن، فالغريب أن يقبل دخول هذا البلد في مجلس التعاون الخليجي بعد 15 عاما على تقديمه طلبا للدخول إلى المجلس.

الثالث تعويم جبهة المقاومة في ظل حدث سوري قاس، فالمصالحة الفلسطينية على أهميتها وضرورتها، تشكل اليوم نقطة اختبار لخيار المقاومة، ومن الصعب الحكم في هذه اللحظة على أي تحول جديد، لكن الواضح أن ما يسمى "جبهة المقاومة" تتعرض لاختلال نوعي، وهو يعني في النهاية تحولا إقليميا واضحا ربما يحمل معه توازنا جديدا في موازين القوى السياسية.

يبقى أن الرهان الشعبي في مسألة "العودة" و الصراع مع "إسرائيل" هو الأكثر حضورا، فحتى لو بقيت السياسات القائمة على السلام، في مصر تحديدا، تسير بشكل اعتيادي، لكن الحراك ضدها لم يعد محكوما كما في السابق بنفس القيود أو المحددات، وربما لهذا الأمر يتم محاولات لإعادة تشكيل المنطقة سواء عبر منطقة الخليج أو تركيا أو حتى من خلال الحدث السوري تحديدا.