الكاتب : مازن بلال

جاءت العقوبات الأمريكية ضد سورية بشكل يحمل معه بعض الصور القديمة، فالعلاقة السورية - الأمريكية كانت دائما تحمل معها لونا من ألوان التوتر ربما بسبب بعض الأبعاد الإستراتيجية الأمريكية التي تريد رسم الشرق الأوسط منذ عهد الرئيس أيزنهاور وحتى اليوم، فالعقوبات الأخيرة لا تحمل معها صورة الحدث السوري بقدر كونها انعكاسا إقليميا يرى ضرورة كسب الوقت لرسم توازنات سياسية.

وبالتأكيد فمعالجة هذه العقوبات من الزاوية الاقتصادية فقط تحمل معها تجاوزا حقيقيا لبعدين أساسيين:

الأول مرتبط بالبيئة التي تريد إيجادها تلك العقوبات التي وضعت الرئيس بشار الأسد على رأس قائمة من طالتهم الإجراءات الأمريكية، فهذا الأمر يشكل خطا جديدا في مسألة التعامل مع سورية وذلك بغض النظر عن الحدث الداخلي، فالتعامل مع عقوبات ضد "الرئاسة السورية" هو انعكاس حقيقي لأزمة أخرى ربما لها علاقة بالتوازنات التي ظهرت في مرحلة الرئيس أوباما، حيث بقي الشرق الأوسط عند نفس النقطة المرتبطة بأزماته الأساسية وعلى الأخص العلاقة ما بين دمشق وطهران.

في الجانب الأخر للعقوبات فإن واشنطن أوضحت عبر قرارها أمس رغبة في وضع المسألة ضمن إطار "التدويل"، أو البحث عن إيجاد مزيد من "لجان التحقيق" أو حتى المحاكمات، التي غالبا ما تجعل المسائل الداخلية أكثر تعقيدا وتسعى في نفس الوقت لرسم "صفقات" دولية استنادا لحدث داخلي، فالولايات المتحدة تنظر إلى الحدث السوري وفق بندين أساسيين:

الأول بات معروفا من خلال تصريحا ت هيلاري كلينتون حول العلاقة السورية - الإيرانية، وبالتأكيد فإن المهمة الأساسية بالنسبة للإدارة الأمريكية إظهار تلك العلاقة وكأنها نموذج ينعكس على داخل كل بلد، وهي في نفس الوقت ترسم ملامح تحالفات تتجه مباشرة نحو إيران وربما يكون توسيع دول مجلس التعاون نحو الأردن هو إحدى الآليات التي تندرج في هذا الإطار.

الثاني مسألة رسم الشرق الأوسط وبالأخص بعد ما حدث في مصر، حيث تبدو الخيارات الأمريكية باتجاه تغير "معادلة الاعتدال" لتصبح "معادلة الربيع" العربي الذي يمكن أن يخلق قطعا تاريخيا مع الماضي سواء تعلق باتفاقية سلام مع "إسرائيل" أو حتى مبادرة عربية، وإيجاد اتجاه جديد يجعل من "الصورة الديمقراطية" أساسا للانقسام أو حتى للصراع داخل دول الطوق (المجاورة لإسرائيل).

عمليا فإن المعادلة الإقليمية تبدلت كليا، لكن الثابت فيها هو مسألة "وجود إسرائيل"، وسواء اتجهت دول المنطقة نحو إحلال الديمقراطية أو أنها تباطأت فإن القضية الجوهرية بالنسبة لواشنطن هي في نوعية التوازن القادم، وهي بالتأكيد لا تنظر بارتياح لبعض "المعادلات" الباقية وعلى الأخص تلك المرتبطة بـ"إسرائيل".