الكاتب : نضال الخضري

في حدث الأمس كانت مسألة "الحدود" هي النقطة الحاسمة، لأن ظهور الشباب الفلسطيني في قرية مجدل شمس لم يكن حدثا قادرا على شطب أي معادلة داخلية في منطقة "الشرق الأوسط"، لكنه في المقابل فتح المحاور الخاصة التي يمكن ان نفكر بها وسط "اضطراب" أو ارتباك نتيجة ما يحدث في سورية تحديدا.

هو حدث لا يستحث الذاكرة على النهوض فقط، بل أيضا صورة لدرجة التعقيد التي يمكن أن تظهر عندما نقف أمام الحقيقية الأساسية بأن هناك "خطوط لوقف إطلاق النار"... متى كانت آخر مرة سمعنا فيها هذا المصطلح الذي يذكرنا بان سورية ورغم جبهتها التي لا تشهد "معارك" هي بلد "محارب" وليس بالمعنى العسكري فقط، بل أيضا بالمعنى العام الذي يجعل الأزمات جزءا من الحياة الاجتماعية.

ربما استرخينا قليلا ونحن نشهد جبهات أخرى تشتعل، وربما حال الظرف الإقليمي من تحقيق معادلة كسر القوة السائدة على جبهة الجولان، لكن عودة الأسماء القديمة مثل "خطوط وقف إطلاق النار" يعيد تكوين القضايا أمام عيوننا، ويشكل الصراع الذي استقر في داخلنا وكأنه مشهد لمناورات سياسية دائمة، أو حتى لمبادرة عربية تلخص في النهاية نوع الإرادة الهشة التي يمكن أن تقف في حال انهيار "وقف إطلاق النار"، أو تماوج هذا الخط الذي لا يستدعي فقط تحضيرا عسكريا بل تفكيرا قائما على أن جنوب سورية يمكن أن يشتعل عند أي لحظة إرباك "إسرائيلي" أو حتى عربي.

بالتأكيد ليس هناك منطق في شن حرب جيوش على "إسرائيل"، ليس بحكم موازين القوى العسكرية فقط، بل حتى في رؤية نوعية هذا الصراع الذي بات مشتتا، وأصبحت "جبهة عربية" بالكامل يمكن أن تقف وكأنها تنتظر هزيمة لا تطال "الاحتلال" بل من يفكر بكسر هذا السكون الخاص بجبهة الحقوق... المعادلة العسكرية الصعبة ربما كسرت في داخلنا هذا الهاجس الذي كان يشتعل سابقا عند التفكير بـ"الاحتلال"، فالنكبة ليست خيام نُصبت ومأساة اتسعت، بل هي تشكيل رسمنا وفق "حدود إسرائيل" وقدرتها على اختراق وجودنا وربما تكسير المستقبل وفي سياق يلخص تصورها.

ومرة أخرى فالنكبة ليست مبررا لأي شيء.. لا الاستبداد ولا التسلط ولا حتى الانتظار... لكنها في المقابل عامل حاسم في رؤية متقدمة للمستقبل، فعندما نفكر بأي شكل قادم.. ديمقراطية أو تطور أو حتى استقرار.. هناك "العامل الإسرائيلي" الذي يقيس ما يجري وفق "أزمة وجوده".. وجوده كحالة استبدال تاريخي لنا كثقافة وربما كمستقبل.

بالأمس لم تتبدل المعادلة... لكن الوصول إلى مجدل شمس أثبت أن "الثورة" مهما كان نوعها أو توجهها لا يمكن أن تنظر باتجاه الشمال أو الشرق أو الغرب... ففي سورية هناك "جنوب" يضغط باتجاهنا... هو جنوب سورية.. وربما حتى غزة... ولنتذكر ما قاله الفلسطينيون عندما استقبلوا لجنة "كينغ كرين"...