الكاتب : نجيب نصير

ربما كان الشارع الثقافي السوري هذه الأيام (يفوت بالحيط) نتيجة الخلط المركز بين الثقافي والسياسي، والأدق بين التحليل السياسي والرؤية الثقافية، حيث لن يتمكن المرء من العبور مدفوعا الى ساحة التحليل السياسي إعلاميا تحت مظلة الثقافة وإنتاجها بسلام، وهنا يبدو الإعلام شرها لالتقاط غث الكلام وثمينه من أجل ملء الفضاء المثقوب بالتنظيرات والتحليلات، حيث بدا المكان السوري (معجوقا) وخاليا في آن معا، فمقومات التحليل السياسي هي بيد المختصين أو المطلعين على بواطن الأمور وظواهرها معا ويبقى للمثقف البوصلة المشوشة بين الواقع والنموذج كي يرخي بكلكله على ساحة الكلام.

الدراميون خصوصا تورطوا في ساحة التحليل السياسي حيث الخلاف في الاستنتاج سياسيا لم يعطي ذات نتائج الاختلاف بالاستنتاج ثقافيا وتحديدا دراميا، فالمسألة اكبر وأخطر بكثير، والإنجاز في الدراما هو غيره في التحليل السياسي.

ومع هذا (معليش) فهذه الأيام العصيبة يمكنها أن تكون دورة تدريبية على ديمقراطية ما بالمعنى الثقافي للكلمة، إن كان في أوساط الفنانين المشاهير أو حتى في أوساط المثقفين المغمورين، حيث يمكن تثبيت مبدأ عدم التخوين في الحروب الاستباقية التي تسيطر على غير وسط من ألأوساط الثقافية فبين الشخصي والموضوعي هناك مسافة واضحة، قد يحسمها الإنتاج الثقافي وليس المناظرات التلفزيونية على تفسير هذه الكلمة أو تلك الجملة.

الشارع الثقافي يعبر الآن مرحلة من الحوار الإجباري شرط القبول بمبدئه وهناك فرص لتخريب هذا الحوار أو الانفتاح عليه وممارسته، من أجل حصول على رؤية للمستقبل ولو كانت نظرية أو في النوايا، فالمسائل الآن بحاجة الى التقارب الإنساني والوطني ولو على قاعدة المنافسة.

ربما اعتاد الفنانون على إطلالة إعلامية لمتابعة تأكيد حضورهم الثقافي، وإذا كانت هناك من سجالات بينهم فقد تمت على مزاج الإعلام الشره للمواد المشوقة حيث يظل الاستنتاج من التصريحات والتصريحات المقابلة في حدود الخبر العابر وإن كان مشوقا. ولكن الإستنتاجات نفسها لا يمكن تحكيمها في الشأن السياسي أو الوطني، فكيف بالتحليل السياسي الذي هو شأن متبدل وسريع واختصاصي؟!!

لقد كان الفنانون دوما موجودون في الساحة الثقافية، والإعلام يرصد هذا الوجود ويستهلكه بكل ممنونية ، فمن أين أتى هذا السؤال الذي زجهم في معمعة التحليل...؟ ربما علينا أن نسأل الإعلام ..... الذي سأل قائلا (أين أنتم ؟؟)