الكاتب : جورج حاجوج

ربما أن من ميزات وإيجابيات الحدث السوري أنه دفع إلى السطح مصطلح الحوار عموماً، والحوار الوطني على وجه الخصوص الذي صار العنوان العريض لما يطرحه ويطالب به الجميع في سوريا، وعلى مختلف الأطياف وتنوعها، بوصفه حالة توصيف وتفكيك للسائد في الماضي والحاضر، ونقطة تحول للتأسيس للمستقبل، وبوصفه أيضاً بوابة العبور الأساسية والوحيدة للخروج من المأزق، أيّ مأزق، يمر به المجتمع ومؤسساته من أصغرها إلى أكبرها، ومن أبسطها إلى أكثرها تعقيداً وتشابكاً.

يتفق الجميع ـ أو هكذا يُفترض ـ أن الحلول الأخرى، غير الحوار، ومهما كان شكلها ونوعها، هي حلول غير حميدة العواقب على الأرض، ولا بد أن تحمل معها قدراً كبيراً من الخسائر المادية والمعنوية والبشرية إذا ما قورنت بالحوار، وما حصل ويحصل في كثير من المجتمعات والدول تأكيد على صحة هذا الافتراض.

لكن، وبعد انقضاء ما يزيد عن الشهرين، ما تزال ملامح هذا الحوار المنشود غير واضحة المعالم، على الرغم من أن "السلطة السياسية" فتحت عبر إعلامها قنوات الحوار والاستضافات والندوات والريبورتاجات المصورة التي تسلط الضوء على كثير من القضايا المطلبية التي يتحدث عنها المواطنين، بعيداً عن الكثير من القضايا ذات الحساسية العالية والدقة وخصوصاً السياسية منها والإعلامية.

إذا شاء المرء المهتم والمراقب أن يعدد القضايا التي تحتاج إلى حوار، فإنه بالتأكيد لن يتوقف عند الفساد والرشوة وغلاء الأسعار والروتين والبيروقراطية ـ على أهميتها وأهمية معالجتها ـ هي وغيرها من المسائل المطلبية، ذلك أن السلطة السياسية نفسها ومعها المعارضة أيضاً تتفقان على أن ثمة الكثير من القضايا التي تحتاج إلى طاولات وورش حوار وطني قد تمتد إلى فترة طويلة من الزمن، إلا أن الأكيد أنها ستفضي إلى نتائج أقلّها أنها بعيداً عن الاحتقانات والدماء والهدم والدمار الذي يدفع ثمنه أولاً وأخيراً المجتمع.

يبدو أن الشهرين، أو أكثر، الماضيين أوضحا بما لا يدع مجالاً للشك بأن أدوات وأشكال الحوار ما تزال حتى الآن تدور في الفلك المطلبي المعاشي، وهو أمر في غاية الأهمية، لكنه بالتأكيد لا يكفي، وهذا ما تعترف به كل الأطراف.. إذاً، هناك اعتراف معلن أحياناً وضمني في أحيان أخرى، بضرورة التأسيس لطاولة الحوار الوطني تجاه قضايا ساخنة، وعلى سبيل المثال، المادة الثامنة من الدستور، حزب البعث، قانون الأحزاب وما يحمل من معاني إطلاق الحياة السياسية بشكل معاصر وحضاري، قانون للانتخابات، قانون الإعلام والمطبوعات الذي يُفترض أن يشكل رافعة حقيقة لتلك التحولات التي سيحملها معه الحوار الوطني ولا بد من التأكيد هنا أنه تحت سقف الوطن، على اعتبار أن من لا يستخدم هذه العبارة يمكن أن يكون عرضة للشبهة عند البعض، حتى ولو كان أمضى عمره وأفناه تحت هذا السقف!.

الاتفاق على الحوار كمبدأ، مسألة محسومة عند الكثيرين هنا أو هناك، ولكن ما هو غير واضح أو محسوم حتى اليوم هو: مَنْ يحاور مَنْ؟.. أين؟.. كيف؟.. متى؟.. وكيف هي البداية؟.. هي أسئلة لا شك في أن الإجابة الدقيقة والواضحة عليها تحمل معها، الأرضية الصالحة لانطلاق الحوار بمعناه الواسع والبنّاء.

في محاولة الإجابة على هذه الأسئلة، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن العلنية والشفافية والوضوح هي شروط نجاح الحوار على مستوى الوطن حتى ولو استغرق ذلك زمناً طويلاً، فضلاً عن أن هذه المعاني الثلاثة هي التي تؤسس لمبدأ الثقة في أي حوار، حتى ولو كان بين شخصين مختلفين على "شقفة أرض أو محل مترين بمترين!"، فكيف هو الحال إذاً، فيما لو غاب مبدأ الثقة عن ورشة حوار مادتها الأساسية وطن وحياة مجتمع ومستقبل؟!.