الكاتب : حسان عبه جي
فيما يشهد الداخل السوري نوعا من (استعادة الأنفاس) تظهر العقوبات الأمريكية على إيقاع مختلف، فالتوافق الأوروبي - الأمريكي يحاول اتخاذ سورية وفق بعض التقارير كبوابة ضغط إقليمي، حيث يبدو التغيير السياسي فيها مفتاحا لرسم حصار حقيقي على إيران، وهو ما يدفع عمليات الضغط نحو شكل أشبه بما حدث مع إيران، رغم أن روسيا والصين تقفان حتى اللحظة ضد هذه "الرغبة الفرنسية" التي تحاول تشتيت أزمة الشرق الأوسط بالكامل.
ورغم أن الرد الرسمي السوري حول العقوبات الأمريكية لم يصدر حتى اللحظة، لكن عددا من المراقبين يرون أن دمشق اعتادت مثل هذه الضغوط رغم أنها اليوم تصل إلى مستوى معنوي عالي، وذلك بعد أن شملت تلك العقوبات رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس مجلس الوزراء، وظهرت هذه الخطوة الأمريكية بشكل استباقي للخطاب الذي سيلقيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول الأوضاع في الشرق الأوسط، التي من المتوقع أن تتناول الوضع السوري إضافة لباقي الأمور المتعلقة بـ"دعم الديمقراطيات" التي ظهرت بعد ثورتي تونس ومصر.
وتشكل العقوبات الحالية خطوة سريعة في صراع مع الزمن تجاه الحدث السوري، فإطلاقها بهذا الشكل وبعد تردد أنباء عن نصيحة تركية بعدم التعجل باتخاذ خطوات ضد سورية، يأتي بعد أمرين أساسيين:
الأول هو ما حدث في ذكرى النكبة من اختراق لخط الفصل في الجولان المحتل، إضافة لسقوط شهداء على طرف الحدود اللبنانية والسورية مع "إسرائيل"، وهو أمر ربما يحمل تداعيات جديدة ويفتح المجال على دخول الأزمة في الشرق الأوسط إلى مرحلة جديدة، فالترتيبات السياسية التي اتخذتها كل من حركتي فتح وحماس بتوقيع المصالحة، ثم تطور الأمر الى "تظاهرات" في دول الطوق استدعى تحركا سريعا لامتصاص الأزمة وإعادتها للمربع الأول؛ أي مسألة "الحدث السوري" واعتباره النقطة الحاسمة في تشكيل الشرق الأوسط بكل ما يحمله هذا التشكيل من احتمالات سياسية.
الثاني استعادة التوازن في سورية، حيث يبدو أن موضوع الاحتجاجات أصبح ضمن نطاق محدود وواضح المعالم، بحيث لم يعد يحمل معه الصورة السابقة التي يمكن أن تهدد ليس التكوين السياسي فقط بل الدولة السورية بمقوماتها، حيث بات واضحا أن هناك مسار سياسي يمكن أن يظهر وأن مسألة "التحول الديمقراطي" الذي تتحدث عنه الولايات المتحدة وتطالب الرئيس بشار الأسد أن يرعاه، هو تحول "مشروط" على ما يبدو بسياسة خارجية جديدة تحدثت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية في وقت سابق عندما ربطت ما يحدث في سورية بعلاقتها مع إيران.
عمليا فإن العقوبات الحالية تحمل هدفا أساسيا هو "الإرباك" السياسي للمنطقة ككل، وذلك من أجل خلق تداعيات جديدة بوجه السياسة السورية وربما السياسة الشرق أوسطية بشكل عام، فكل الحراك الذي شهدته المنطقة منذ ثورة تونس لم يغير من التوجه الأمريكي عموما تجاه الأزمات الأساسية في المنطقة، فهي بقيت تتعامل بنفس الآليات السابقة، وإذا كان الحدث السوري "غير مسبوق" بالنسبة لها فإنها في نفس الوقت تجد فيه "العتبة" التي يمكن أن تعيد رسم التوازنات في المنطقة ككل.