الكاتب : ربى الحصري

أولا أعترف أن ما كتبه الأستاذ عمر قدور في جريد الحياة بتاريخ 9/5/2011 بعنوان (ألا يخشى المثقف الانتفاضة) هو ما حفزني إلى الدخول ولو بحذر إلى تلك المعادلة الصعبة في مسألة المثقف السوري تحديدا والحياة السياسية في سورية وصولا إلى الأزمة الحالية، فبالتأكيد فكك الأستاذ قدور موقف المثقفين بشكل جيد، وربما لدفع المساحة الفكرية لمسألة الثقافة بالحركة الحالية فربما علينا تدعيم هذا التصور بملاحظات إضافية إن صح التعبير.

سأحاول الانطلاق من سؤال أولي: هل هناك بالفعل "نخبة ثقافية" أو "طليعة" بنفس القياس الذي توحيه كلمة مثقف؟ والمسألة هنا لا تتعلق بطرح تعريف المثقف بل برؤية تحركه على مساحة الحياة، ففي أوروبا شهد هذا الموضوع تحولا مع "الموجة الثالثة" في عصر الاتصالات، لأن بنية المثقف الحاضرة في الذهن الاجتماعي باتت مختلفة تماما، وهو أمر طال العالم العربي أيضا لكن دون ان يحدث تحولا على مستوى آليات عمل المثقف وبالتالي الدور الثقافي في الحراك الاجتماعي ككل.

في الشكل التقليدي فإن المثقف الأوروبي كان وليد الحراك الفكري الذي لم يكن بعيدا في يوم من الأيام عن أروقة الجامعات، فتلك المدارس الفكرية التي أوجدت التيارات السياسية بقيت أسيرة متمردين يحاولون كسر الاحتكار الأكاديمي لكنهم في الأساس أبناء هذه الحالة الأكاديمية، وربما كان الوضع في انكلترا أكثر صرامة من باقي الدول الأوروبية، لكننا وبشكل دائم سنجد أبا روحيا فكريا داخل أروقة الجامعات، وعلى الأقل فإن الثورة الطلابية عام 1966 تقدم هذا النموذج الذي اختفى لاحقا في منتصف السبعينيات (فهربرت ماركوزي كان المنظر الأساسي للاحتجاجات التي عمت أوروبا).

ما علينا قراءته اليوم هو نوعية التحول في الصراع الفكري نتيجة تطور وسائل الاتصال، فبقدر ما أتاحت الموجة الثالثة من قدرة على خلق انتشار واسع للأفكار ووسعت بيئة التفاعل الاجتماعي، فإنها في نفس الوقت غيرت من البيئة الثقافية أيضا فلم يعد هناك مرجعيات فكرية محددة، لأن الإعلام يحتاج دائما لقضايا خلافية يستطيع من خلالها استقطاب الجمهور، وبغض النظر عن تفاصيل هذه العملية المعقدة التي تحتاج لأبحاث طويلة، لكننا هنا معنيين بالنتائج الخاصة بثقافة الاتصال، التي وسعت دائرتها وصولا إلى حالة "التدوين" التي جعلت المواطن متحدثا إعلاميا وسياسيا وحتى فكريا، وعليه أن يختار طريقة التعبير عن ذاته.

هل طالت هذه الأمور سورية؟ بالتأكيد فإن المثقف لم يعد بطلا اجتماعيا كما كان عليه في خمسينيات القرن الماضي، وفي الأزمة الأخيرة فإن "النجوم الدراميين" كانوا أبطال الثقافة في محورين متناقضين، وإذا كنا لا نستطيع مقاومة "التقنية" التي دفعت "نخبا" جديدة إلى سطح الفعل الاجتماعي، لكننا في نفس الوقت نستطيع قراءة نتائج هذه الثقافة التي لم تخلق اختصاصات لها ولم تنتج مؤسسات تعمل في العمق، فنجوم الثقافة في أوروبا والعالم هم ضمن بيئة كاملة تضم معها الجامعات ومؤسسات البحث العلمي والمؤسسات الاقتصادية وغيرها من الأمور، فصناعة الأفكار التي كان يتباهى بها المثقف أصبحت عملية معقدة أطاحت بالشريحة المثقفة بصورتها الكلاسيكية، وربما دفعت إلى الصورة الحالية التي نراها في ردود فعل "المثقفين" تجاه الأزمة الحالية... وللحديث بقية.