الكاتب : ربى الحصري

بالتأكيد فإن الثقافة السورية أمام خط يحتاج لمقاربات جديدة، فمواقف المثقفين اليوم لا تحتاج لتعريف المثقف أو النخب الثقافية بقدر كونها محاولة لمعرفة "الإنتاج الثقافي"، والاستدلال الأساسي الذي يمكن أن نبدأ به هو نوعية المعارك الثقافية، ومن القراءات والتحليلات طوال الشهرين الماضيين فإننا في الواقع سنجد أن التحديات الثقافية شبه معدومة، وربما كان هذا الموضوع هو جوهر ما حدث في سورية.

في أوروبا لم يعد الفعل الثقافي محصورا داخل نخبة ثقافية تتمتع بـ"الوعي"، ثم تقوم بحراكها داخل المجتمع لتفرض مساحتها الخاصة وتؤثر بأفراد المجتمع، مسألة "الوعي" بذاتها أصبحت مثار تساؤل وجدل، واحتكاره من قبل نخبة أصبح من الأمور التي يمكن اعتباره "ماضي ثقافي"، ولا بد هنا من التأكيد على أن الانتاج الثقافي هو المسؤول عن هذه الحالة فالمدارس الفكرية وتطورها وتأثير التقنيات في عملية التفكير أدى إلى حالة جديدة نسبيا لم يُكسر فيها احتكار التفكير داخل النخب، بل أصبح سلوك الأفراد وتجاوبهم مع احتياجاتهم ينتج تفكيرا جديدا ربما نجده بعيدا عن المنحى الأكاديمي لكنه جزء من المشهد الثقافي العام.

هل اتخذ المثقف السوري هذا المنحى؟ بالتأكيد نحن نتحدث عن بيئة جديدة متأثرة بالتقنيات وليس بمذاهب التفكير المرافق لها، وما يجرى أن مسألة "الفجوة ما بين "الثقافة" و "التقنية" المواكبة لها لا تمثل فقط مجرد ظاهرة، بل هي أيضا صراع حقيقي ما بين التقنية بذاتها لأنها تكسر قاعدة النخبة، وبين المثقف الذي خسر مرجعيته المعرفية داخل المجتمع، وربما عند الحديث عن خوف الأنظمة من مسألة ثورة الاتصالات فإن علينا رد هذا الأمر أيضا لـ"النخب" التي تخشى نهاية مفزعة لتحكمها بالمعرفة أو لاعتبار نفسها مصدر الوعي الاجتماعي.

كيف يمكن أن نسقط هذا الأمر على "المثقف السوري"؟ تجليات المشهد الأوروبي ظهرت في سورية، فنحن أمام "النجم الثقافي" الذي ظهر بوضوح في سورية على الأخص عبر نجوم الدراما، ونحن أمام "المثقف الفضائي" الذي يحلل من زاوية التفكير ويقدم الحلول على الشاشات مباشرة، لكن المثقف الفضائي في الحالة السورية نادرا ما ينتمي إلى مؤسسات بحثية منتجة للثقافة، وهو في أغلب الأحيان موجود في مساحة مجهولة من العملية الثقافية، وعلى عكس نظيره الأوروبي على سبيل المثال فإنه نادرا ما يشكل حلقة في سلسلة ثقافية مربوطة بعجلة الانتاج أيضا، لذلك فإن "المثقفين" ظهروا في الأزمة الحالية معزولون عن أي عمل مؤسساتي ثقافي إن صح التعبير، وربما من الطبيعي أن يقلقهم التغيير لأن الوجه المقابل الذي ظهر بدا وكأنه لا يملك هوية ثقافية يعرفونها، وذلك بغض النظر عن حقيقة التظاهر وارتباطها أو عدم ارتباطها بمؤامرة خارجية أو داخلية.

عمليا فإن "المثقف السوري" وبعد أن عاش نتائج عصر الاتصالات من ظهور "النجم الثقافي"، فإن إبداعه اتجه إلى الجانب الفني أكثر من أي وقت مضى، حيث من الصعب أن نميز تيارا إبداعيا اليوم في مجال فلسفي على سبيل المثال، فموجة ارتباط الثقافة بالإعلام هي قفزة لكنها لا تملك فضاء حولها، ولذلك فإن العمل الثقافي اتجه خلال الأزمة وربما قبلها أيضا إلى البحث في الموقف بدلا من الاتجاه إلى التفكير بما يحدث وتحليله وربما إنتاج ثقافة... وللحديث بقية