الكاتب : سورية الغد

هدوء الحدث الداخلي السوري لم يمنع من استمرار استخدام "سورية" كعنوان إعلامي وربما سياسي، فمع إعلان وكالة الطاقة الذرية أمس عن ترجيحها بأن منشأة "الكبر" في دير الزور التي اعتدى عليها الطيران الإسرائيلي هي لأغراض نووية، ورغم أن المسألة هي "ترجيح" لكنها ترسم المشهد السوري دوليا على نفس إيقاع الضغوط، وتعيد حالة من التطابق ما بين الملفين السوري والإيراني، في محاولة لرسم سيناريو مشابه لمسألة العقوبات على طهران.

وحسب بعض التقارير فإن الوكالة الدولية للطاقة تعتبر أن مسألة الوقت في عمليات التفتيش هي موضوع حساس، ورغم أن الملف السوري في الوكالة لا يكتسب نفس أهمية الملف الإيراني لكنه يسير على ما يبدو في نفس الاتجاه، وهو ما يخلق مناخا عاما يسهل تمرير عقوبات إضافية على دمشق في وقت لاحق، على الأخص أن الوكالة تتهمها بـ"المماطلة" في مسألة تفتيش المنشآت الخاصة بها.

إلا أن تأثير إعلان الوكالة بشأن "ملف سوريا النووي" سيكون له تأثير مختلف على المشهد الداخلي، فإذا كان صحيحا أن "حركة الاحتجاج" لا تنظر إلى هذا الموضوع، وربما لا تعرف تفاصيله، لكنه يتيح للمعارضة في الخارج على الأقل استخدامه وبقوة، وذلك بنفس الطريقة التي تم فيها استخدام الملف العراق الخاص بأسلحة الدمار الشامل، ورغم أن المعارضة السورية في الخارج لا تحتاج لإشارات إضافية من الخارج، لكن مسألة "الملف النووي" ستتيح لها التحرك على مساحة بعض المنظمات الدولية، وبالتالي فإن السجال بشأن "طبيعة السياسة السورية" ربما يأخذ منحى جديد مع الإعلان الأخير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويبقى السؤال حول طريقة التعامل السوري مع هذا الملف، على الأخص أنه سيفتح بابا جديدا في مسألة الضغوطات، لكن دمشق التي تعرف تماما طبيعة التعامل الدولي معها منذ المرحلة الأولى لظهور ما يسمى بـ"الملف النووي السوري"، فإنها وفق المؤشرات الأولية ستحاول وضع هذا الآمر على هامش تعاطيها السياسي، فدوليا هي تحتاج في هذه اللحظة لتكريس علاقاتها مع حلفائها وعلى الأخص روسية الاتحادية، بينما يأتي الموضوع النووي في مرحلة ثانية، وهنا يمكن ملاحظة أمرين:

الأول التوقيت الذي خرجت به الوكالة بتقريرها، وهو يأتي قبل قمة الدول الصناعية الكبرى، مما يعني إبرازا للشأن السوري، في وقت كانت فيه روسية تسعى لعدم التطرق لهذا الموضوع، وربما لهذا الأمر فإن الرئيس بشار الأسد اتصل بالرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف.

الثاني محاولة خلق إحراج دولي في الشأن السوري، وذلك لدفع بعض أعضاء مجلس الأمن وعلى الأخص روسيا والصين لعدم اتخاذ مواقف قوية تجاه مسألة طرح الشأن السوري في مجلس الأمن.

عمليا فإن المشهد السوري بات يملك من الأوراق الخارجية أكثر من مثيلاتها الداخلية التي استخدمت مبررا لفرض العقوبات أو حتى لممارسة الضغوط على دمشق، لكن سير الحدث الحالي يوحي بأن الاختبار الحقيقي هو في قدرة السياسة السورية على التحرك على أكثر من جبه وخصوصا في محاولات دولية مستمرة لفرض ظروف جديدة على سورية.