الكاتب : مازن بلال

ظهرت دعوة السفير القطري في دمشق بشكل غير مسبوق، وربما فاجئت هذه الخطوة التي جمع فيها عددا من السفراء العرب مع وزير الخارجية وليد المعلم كل المراقبين، على الأخص في ظل توتر سياسي واضح داخل العالم العربي إجمالا وليس فقط في علاقات سورية العربية، لكن هذه الخطوة مرت دون إشارات سياسية من قبل الأطراف العربية، فباستثناء حديث المعلم حول العقوبات الأمريكية والأوروبية، و "عتبه على الأشقاء العرب" لعدم "استنكارهم" لهذه الخطوات، فإن الحدث مر بشكل عادي وحمل معه شكلا بروتوكوليا.

وفي وقت اشتدت الضغوط على سورية عشية انعقاد قمة الثمانية، فإن الرهان على تجاوز العقوبات بدأ يشكل تحديا بالنسبة للسياسة السورية، فتخفيض سعر المازوت لم يكن فقط وفق بعض الخبراء مسألة تقنية تخص مطالب الناس فقط، بل أيضا نوع من الإصرار على تقديم الاقتصاد السوري بقدراته على التأقلم مع الواقع، ويرى نفس الخبراء أن خلط الأوراق السياسية والاقتصادية في نفس الوقت يشكل بحد ذاته محاولة لوضع سورية على مسار خطر، لأنه يهدف لعملية استنزاف اقتصادي طويل متزامنا مع عملية الاستنزاف السياسي.

ورغم أن الحدث الداخلي لم يحمل في الأيام القليلة الماضية أي تطور جدي باستثناء بعض التظاهرات المحدودة، لكن المحيط الجغرافي لسوري إضافة للوضع الدولي شكلت جوهر الحدث السوري، فهناك ثلاث مؤشرات أساسية تتفاعل داخل المشهد العام:

الأول كان في استمرار الحشد الدبلوماسي قبل قمة الثمانية، حيث انضمت كندا لمسألة العقوبات ضد دمشق، إضافة لتصريحات سويسرية بشأن تجميد أرصدة تعود لـ"مسؤولين" سوريين، واستمرار إطلاق التصريحات من قبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حول الشأن السوري، وهو ما صعد بشكل واضح التحرك الدولي الذي وصل إلى طلب مناقشة الوضع السوري داخل مجلس الأمن.

الثاني ظهور مسألة الملف النووي السوري حسب تعبير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو عامل جديد يتم التلويح فيه كورقة يمكن أن تذهب أيضا إلى مجلس الأمن، وبالتالي فهناك على ما يبدو قضية مزدوجة ما بين "حقوق الإنسان" و "أسلحة الدمار الشامل" يمكن أن تشكل قضية سياسية بامتياز بالنسبة للدول الأوروبية والولايات المتحدة ضد سورية.

الثالث هو التحرك الذي يظهر سريعا في بعض دول الجوار الجغرافي وعلى الأخص تركيا، حيث يبدو تحرك المعارضة السورية في الخارج نشطا في تركيا، وربما يتخذها قاعدة للتوجه الإعلامي وربما السياسي المباشر، ورغم أن هذا النشاط يحاول أن يظهر بصيغة حقوقية، لكنه في الواقع لا يستطيع إخفاء مسألة تواجده على الأراضي التركية كمؤشر إلى تحول "الحليف الاستراتيجي" السوري إلى جغرافية خطرة.

من جانب آخر فإن هذه المؤشرات التي تزيد الحدث السوري تعقيدا، لكنها في نفس الوقت تدفعه إلى مزيد من الفرز وربما الابتعاد عن مسألة "القضايا الداخلية"، فعندما يلغي التحرك الدولي أي هامش سياسي فإن الخيارات تتجه لمسألة التصعيد، وهو ما تحاول الحكومة السورية تجنبه على الأقل في الشأن الداخلي، والملاحظ أن الضغوط الحالية لم تؤثر على نوعية القرارات الصادرة عن الحكومة، أو حتى على الفترات الزمنية المخصصة لمثل هذه القرارات، فهناك على ما يبدو إصرار حكومي على عدم الذهاب بصراع مع الزمن، وهو الأسلوب المستخدم دوليا، رغم أن مسألة الاحتجاج تؤرق كل مؤسسات الدولة وعلى الأخص يوم الجمعة الذي يختلط فيه الاحتجاج السلمي مع أعمال الشغب والعنف المسلح أيضا، لكن مسألة الخروج من أحداث يوم الجمعة تبدو صعبة في ظل الضغط الدولي الذي يبدو وكأنه يعطي الضوء الأخضر لما يحدث داخليا.