الكاتب : نجيب نصير

قرأت منذ وهلة أسماء العديد من الصحافيين والمهتمين بالشأن الإعلامي في سورية، من الذين سوف يتشاركون في وضع قانون إعلام جديد مزمع اعتماده في قضايا الصحافة والنشر، ولاحظت خلو هذه المجموعة من الأسماء من الحقوقيين أو من الفقهاء بالدستور، وعلى الرغم من قناعتي أن أحد ما أو مجموعة ما من الحقوقيين سوف تشارك في وضع هذا القانون ، إلا أن الميزان لم يستوي بطريقة معقولة، فالقانون يضعه حقوقيون أو فقهاء دستور ويتشارك معهم بعض من ممثلي المهنة وليس العكس وكذا (ربما) اختصاصيون اجتماعيون وسياسيون أو حتى جمهور، خصوصا إذا علمنا أن هؤلاء (أهل الصحافة) لا يشكلون نسبة مهمة من عملية الإعلام بمجموعها، بسبب وجود المتلقي الذي هو موضوع مجمل العملية الإعلامية التي لا تحتاج الى شيىء بقدر حاجتها الى بناء الثقة بين الجهات الإعلامية وبينه، والثقة عملية تراكمية طويلة ومتجددة، فالمتلقي ليس مجرد مستهلك للمادة الإعلامية بل هو أيضا (متربي) من خلالها أي أنه يخضع لعملية تربوية من خلالها، بمعنى أن ما يزرعه الإعلام يحصده، ليتبادر السؤال حول الماهية الإعلامية المطلوبة، هل هي خدمة اجتماعية تقدمها المؤسسات الى الجمهور وتخضع للمحاسبة؟ أم رأي تنتجه هذه المؤسسات وعليها تلقينه للجمهور؟ أم هي لزوم ما لا يلزم أو بعبارة أخرى ترف معلوماتي لا يقدم ولا يؤخر؟ فرؤيتنا للإعلام ودوره مسألة يبدو جلائها وعلانيتها جزء من مقدمة أي قانون إعلامي، إذ لماذا نحن بحاجة الى إعلام؟

مع تطور ميدان المنافسة الإعلامية/الإعلانية يبدو على قانون الإعلام المأمول أن يتحلى بالمقدرة على دفع الإعلام السوري على المنافسة المعاصرة، والمقدرة أيضا على تجديد نفسه كلما تغير شروط المنافسة، إذ لم يعد من المسموح (خلال التسويق على الأقل) إعطاء أعذار رقابية أو غير رقابية للإعلامي المحلي على سوء إنتاجه، فالتنافس سوف يأخذ مكانه دون وجل أو شفقة، وإذا تكلمنا هنا عن خدمة اجتماعية يقدمها الإعلام، فسوف نتكلم بالطبع عن سوء هذه الخدمة أو عدم جدواها أو إهدارها الخ، من هنا يبدو القانون نفسه مسؤولا وواضعيه أيضا مسؤولين عن نجاح هذا الإعلام بوجود شرط التنافس إذا لم نقل بالإخلاص في تقديم الخدمة الاجتماعية.

طبعا من نافل القول لفت النظر الى عدم تحويل القانون الى قانون عقوبات، فالأصل في القوانين هو تنظيم الإنتاج وتطويره، وليس مجرد ردعه وإحاطة منتجيه بتعقيدات قانونية تجعل من عملية الخضوع للقانون أهم من الإنتاج الإعلامي نفسه.

في السياق النهائي وما دام أي قانون هو خلاصة تقنية تحصل بعد التجارب، لنرنو الى قوانين المنافسين الإعلاميين لنعرف وعلى الأقل البيئة التي توفرها قوانينهم خصوصا أننا نتكىء على حق أصلي من حقوق المواطنة وهو حق المعرفة أو حق الحصول على المعلومات ، وإلا ليس هناك لزوم لا للإعلام ولا لقوانين تنظيمه .