الكاتب : حسان عبه جي
مع إصدار الرئيس بشار الأسد لمرسوم بالعفو العام شمل الموقوفين من حركة الإخوان المسلمين، فإن المشهد السوري ظهر على إيقاعين من التسارع السياسي: الأول رسمي يحاول خلق مناخ لما تم الإعلان عنه حول الحوار الوطني، والثاني مرتبط بانعقاد مؤتمر المعارضة السورية في مدينة أنطاليا التركية، في وقت بدأ التحرك الدبلوماسي السوري الذي ظهر خلال الشهرين الماضيين وكأنه منشغل بالمسائل الداخلية.
إقليميا شكلت زيارة وزير الخارجية وليد المعلم إلى بغداد خطوة أولى، وربما نوعا من تكريس العلاقة مع دول الجوار في ظل نوع من التداخل الذي أحدثه الموقف التركي تجاه سورية خلال الأحداث، كما برز التحرك السوري نحو الصين أيضا في مؤشر يتجاوز إيجاد الدعم السياسي فقط، بل ربما لتكريس القاعدة الاقتصادية بين البلدين في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية تجاه سورية.
وبغض النظر عن الجدول الدبلوماسي السوري فإن الأحداث الداخلية تبقى هي الأهم، حيث بات واضحا أن الذهاب إلى أقصى درجات المواجهة مع سورية احتمال بات قويا، فانعقاد مؤتمر المعارضة في أنطاليا يتم النظر إليه خارجيا على الأقل على أنه:
أولا - محاولة لتكوين شرعية خارج إطار الدولة السورية، حتى ولو كانت متناقضة أو تملك أجندات مختلفة، إلا المؤتمر بذاته يحاول وضع شكلا من أشكال الاستناد بحيث يمكن للدول الأوروبية ووحتى الولايات المتحدة الاعتماد عليه في أي تحرك مستقبلي، فإذا كان الغرض منه اليوم خلق ضغط تجاه سياسة دمشق، فإنه في نفس الوقت سيشكل مرجعيته حتى ولو لم يستطع خلق توافق داخل المعارضة السورية في الداخل.
الثاني - محاولة "السيطرة" على جزء من الشارع السوري الذي يقوم بـ"الاحتجاج"، على الأخص أن من يقومون بـ"التظاهرات" لم يقدموا حتى اللحظة تمثيلا لهم على الصعيدين الداخلي والخارجي، وربما خشية من أن يكون مثل هذا التمثيل إن وجد قابلا للدخول باتجاه الحوار داخل سورية، فإن مؤتمر انطاليا يسعى لاستباق الأمور وإيجاد تمثيل ولو إعلامي للمحتجين.
الرهان على المؤتمر في المقابل له حدود بالنسبة لعواصم القرار التي حاولت عدم التعامل معه بشكل مباشر، فالمسألة بالنسبة لها ليست رهانات عائمة في الهواء، بل هي أيضا مدى قدرة المجتمعين في التأثير على الداخل السوري، وهو أمر مازال قيد الاختبار بالنسبة للأوروبيين على الأقل، أما في الداخل السوري فالأمر مختلف، فهناك إعادة لتشكيل المشهد السياسي على الأخص في ظل البحث عن قانون أحزاب، وبغض النظر عن طبيعة الحراك الاجتماعي القائم حاليا، لكنه في النهاية لا يبدو أنه يتحرك وفق "أجندة" مؤتمر أنطاليا، إما الجانب الرسمي فهو يريد تأسيس بيئة سياسية مختلفة مهما تناقضت الآراء حولها، لكنها في النهاية توجد انتقالا باتجاه تأسيس الحراك السياسي من جديد.
بالتأكيد هناك قلق سوري من التعامل الإقليمي والدولي مع الملف السوري، لكن "السلطة السياسية" لا تبدو مكترثة بأشكال هذه الضغوط فمسألة العفو العام بذاتها يمكن أن تعبر عن المساحة السياسية التي تريدها الدولة على الأقل، حتى ولو بقي هذا العفو غير كاف بالنمسبة لبعض المعارضين في الخارج!