الكاتب : مازن بلال

بقيت المعلومات من داخل مؤتمر أنطاليا الذي يعقده بعض المعارضون السوريون من الخارج رمادية، ففيما كشف الإعلام البريطاني عن بعض الممولين للمؤتمر فإن أنباء أخرى عن خلافات وصلت لحد التشابك في الأيدي، لكن نتائج المؤتمر تبدو أقل أهمية من "انعقاد المؤتمر" مهما كانت طبيعته أو الاختلافات التي حدثت فيه، فهو على ما يبدو فتح بابا لمؤتمرات موازية في بعض العواصم الأوروبية، حيث تم الإعلان عن مؤتمر آخر بما يعقد في بروكسل.

ويبدو الحديث عن "خارطة طريق" تخص التحول الديمقراطي في سورية نوعا من الرسم الافتراضي، خصوصا انها تُطرح من خارج المشهد السوري عموما، فالوظائف التي يمكن أن يقدمها مؤتمر أنطاليا طفت على الحدث السوري الذي ظهر وفق محورين:

الأول هو العفو العام الذي ظهر فيه اسم "الإخوان المسلمين" ليشكل نقطة أساسية محورها عدم تجاوز الماضي والمحاولة للتعامل معه وفق معطيات معاصرة، فالقضية هنا ليست مرتبطة بالمساحة التي يملكها "الأخوان" داخل سورية بل بالنظرة الجديدة تجاه التشكيلات السياسية مهما كان حجمها أو انتشارها داخل الساحة الاجتماعية.

في مسألة الأخوان المسلمين تكمن "رمزية" المرحلة السياسية التي يمكن أن تنتقل إليها سورية، فالقضية لا تتعلق بالموقف فقط من هذه الحركة أو بالعلاقة التاريخية القاسية التي حكمت تعاملها مع السلطة السياسية، إنما الاعتراف بأن المكونات السياسية القائمة لا يمكن شطبها من المعادلة مهما كانت درجة التناقض أو تأثيرها على الحياة السياسية، وهو امر يستطيع أن يرسم مساحة إضافية عند الحديث عن المعارضة السياسية، فليست الغاية فقط إعادة رؤية للمعارضة خارج سورية، إنما فتح الممكنات كي ترسم القوى السياسية مجالا جديدا مرتبطا بالقدرة على التعامل مباشرة مع المعطيات السياسية داخل سورية، بدلا من البحث عن آليات تبدأ وتنتهي في الخارج.

الثاني تشكيل هيئة الحوار الوطني التي سترسم آليات التعامل مع هذا الموضوع، وربما ستكون مسؤولة عن تحقيق بيئة مختلفة عما هو مألوف، فالرؤية التي يمكن أن ترتسم تستطيع الانطلاق من أن "المعارضة" تحتاج إلى أن تعرف نفسها في ظل الحوار القائم، دون ان تترك لغيرها هذه المهمة، فهي أولا وأخيرا "قوى سياسية" لا يقتصر عملها على معارضة التوجهات السياسية أو دفع المطالب إلى الواجهة، فهناك ضرورة عبر الحوار كي تبرز هويتها من خلال البرامج السياسية والتعامل بشكل مباشر مع الاستحقاقات القائمة اليوم في سورية.

ربما من المبكر الحديث عن المسار الذي يمكن أن تتخذه عملية الحوار، لكنه في اللحظة الراهنة يبدو وكأنه يسير في مساحة خاصة في مواجهة "اضطراب" خارجي تخلقه المؤتمرات، فمسألة مرجعية حركة الاحتجاج في سورية صعبة التحديد إذا ما تم التعامل معها من جانب سياسي فقط، وربما نحتاج إلى قراءتها داخل المجتمع وهو ما تستطيع القوى السياسية الداخلية القيام به، بينما تبدو المؤتمرات الخارجية موجهة نحو "وظيفة" محددة برزت منذ بداية مؤتمر إنطاليا؛ جذب إعلامي لجعل الحدث السوري يتمحور في "أنطاليا".