الكاتب : ظافر الجنابي

أثار الموقف التركي من الاحداث في سوريا الكثير من الاستغراب والتعجب وعلامات الاستفهام حول سر هذا الانقلاب في الموقف , فمن العلاقة الوثيقة بين دمشق وانقرة التي وصفت في مرحلة من مراحلها بالشراكة الاستراتيجية , والتناغم التام في مواقف البلدين حول مختلف القضايا الاقليمية , الى مرحلة البرود التي تشهدها العلاقات التركية السورية الان , والتي لم تفلح تصريحات اردوغان في اعادة الدفء اليها .

لم يخرج الموقف التركي من الاحداث في سوريا عن الازدواجية التي طبعت معظم المواقف الاقليمية , فالموقف التركي الذي تدرج من النصح الناعم في بداية الاحداث , الى استخدام منطق التحذير ووضع الخطوط الحمراء والتلويح بالتدخل , عاد مرة اخرى الى تهدئة نبرة الخطاب واستخدام النبرة الناعمة مرة اخرى – كما في تصريح اردوغان الاخير حول تمسك تركيا بالعلاقة الاستراتيجية مع سوريا , والترحيب بالعفو العام الذي اصدره الرئيس الاسد – ولكن جنبا الى جنب مع انعقاد مؤتمر انطاليا للمعارضة السورية في تركيا , وكأن تركيا تحاول أن تجمع جميع الخيوط السورية في يدها.

الموقف التركي المعلن يتحدث عن الاهمية التي تمثلها سوريا بالنسبة لتركيا والعلاقات الوثيقة والتاريخية التي تربط البلدين والحدود التي تمتد لاكثر من 800 كم بينهما , ما حمل اردوغان على التصريح بان كل هذا يجعل من الشان السوري شانا تركيا , اي انه يعطي لتركيا الحق في التدخل لحماية مصالحها , وهذا ما لايمكن ان يعجب الجانب السوري الذي يرى في مثل هذه التصريحات تدخلا في الشؤون الداخلية السورية , وان اكتفى الموقف السوري الرسمي بالصمت تاركا لوسائل الاعلام السورية التعبير عن امتعاض دمشق واستيائها .

واضافة الى هذه التصريحات , لم تخف دمشق انزعاجها من المؤتمرات واللقاءات التي عقدت على الاراضي التركية في الاونة الاخيرة من المؤتمر الصحفي للمراقب العام للاخوان المسلمين الى مؤتمر انطاليا , وان دافعت انقرة عن مثل هذه المؤتمرات بانها تعقد خارج الخيمة الرسمية التركية , وان النظام السياسي في تركيا يتيح اقامة مثل هذه النشاطات وان لم ترض عنها الحكومة , ولكن انعقادها في ظل هذه الاوضاع بالذات يثير الكثير من علامات الاستفهام .

تفسيرات كثيرة قيلت في محاولة فهم الموقف التركي وانقلاباته , هل هو من آثار الفكرة العثمانية الجديدة التي يحملها داوود اوغلو ورفاقه , هل لازالت تركيا تظن ان سوريا جزء من امبراطورية عثمانية , او على الاقل جزء من قوس عثماني يبيح للاخ الاكبر التركي التدخل فيه باسم الاخوة التاريخية او باسم المجال الحيوي والمصالح الاسترتيجية .

لعبة الانتخابات التركية التي اصبحت على الابواب , وهي انتخابات مصيرية لحزب العدالة والتنمية الذي يقوده اردوغان , والذي يستعد لادخال تعديلات جوهرية على النظام السياسي التركي والتحول الى نظام رئاسي , هل تدخل كعامل رئيسي في موقف الحكومة التركية التي يقودها هذا الحزب ذو التوجهات الاسلامية القريبة – قليلا او كثيرا – من توجهات الاخوان المسلمين؟ .

لاتعتمد تركيا الاردوغانية خطابا يحمل ملامح طائفية , ولكن لايخفى على المتابع ان تركيا يحلو لها ان تلعب احيانا دور المدافع عن السنة في المنطقة , وهو دور مناسب تماما لتركيا وللدور الذي ارادت واريد لها ان تلعبه في المنطقة , وهو دور البديل والمنافس لايران , وان كانت المنافسة منافسة ناعمة , فهل ان مثل هذا الافتراض يلقي ضوءا اخر على الموقف التركي ؟.

في النهاية يبحث الجميع عن مصالحه , ومن لديه مباديء يحاول ان يوازن بين مبادئه وبين مصالحه , وان كانت لعبة الموازنة بين المباديء والمصالح لعبة شاقة لايبجح فيها الكثيرون