الأمر الوحيد الذي يمكن قراءته هو "طبيعة الأزمة"، ففي كل الصور التي يمكن أن نتابعها اليوم هو تشتيت عام ليست هزيمة حزيران مسؤولة عنها بفعل واقعها العسكري، بل في نوعية المناخ الذي حكم تلك المرحلة....
الكاتب : مازن بلال
لم يعد الخامس من حزيران بالنسبة لشرائح واسعة تاريخا واضحا، فالأجيال التي خاضت الحرب غابت بمعظمها عن الساحة السياسية، بينما تعيش الأجيال الجديدة رمز حزيران أو حتى نتائجه، فهو كتاريخ ربما يرتبط بأمة منطقة بأكملها، ويتداخل حتى مع التفاصيل التي نشهدها اليوم في سورية بشكل مباشر أو حتى من خلال الظروف المفروضة.
وإذا كان من الصعب خلق رابط واضح ما بين الحدث السوري الحالي والخامس من حزيران، لكن الأمر الوحيد الذي يمكن قراءته هو "طبيعة الأزمة" أو تلخيصا "واقع الهزيمة"، ففي كل الصور التي يمكن أن نتابعها اليوم هو تشتيت عام ليست هزيمة حزيران مسؤولة عنها بفعل واقعها العسكري، بل في نوعية المناخ الذي حكم تلك المرحلة وربما فرض تكوينا سياسيا متصاعدا، ووضع شروط "التواجد" السياسي على الساحة، فهناك أمرين علينا متابعتهما في هذا الخصوص:
الأول طبيعة البرنامج الداخلي الذي ظهر قبل حرب حزيران وربما في أواسط الخمسينيات، عندما شكل القضية الفلسطينية "منظومة" كاملة من الأفكار ترتبط ما بين التحرر الاجتماعي والسياسي، ودفعت الأحزاب الإيديولوجية إلى قمة الهرم السياسي، ووفق هذه الصورة لم يعد "النظام السياسي" مهما كانت طبيعته منفصل عن نوعية الصراع الإقليمي مع "إسرائيل" تحديدا، وفي حرب حزيران كان من المفترض أن تشكل الهزيمة بذاتها انتهاء لهذا النوع من التفكير، لكن الأمر لم يكن بهذه الصورة المبسطة، فما حدث كان عملية تفكيك متتالية لجملة المفاهيم التي شكلت عصب الحراك العام منذ بداية القرن العشرين، فالهزيمة اعادت الدفع الاجتماعي لمنظومات العمل التراثية دون ان تكون قادرة على إحداث تحول سريع ومفاجئ، لكن المهم هنا هو أنه منذ تلك الهزيمة ظهر التشكيك بشرعية التفكير الحديث الذي كان يعتبر أن التغيير الاجتماعي هو الإطار العام لعملية التحرير في فلسطين.
الثاني مسألة "المنظومة" الإقليمية القائمة على مسألة الصراع مع "إسرائيل" ربما بقيت قائمة حتى اللحظة، لكن المهم أن حرب حزيران حددت الممكنات الخاصة بها، وهو أمر برز لاحقا بعد حرب تشرين التي أوصلت الجبهات العسكرية على الأقل إلى توازن خاص، فالممكنات التي فرضتها حرب حزيران كانت تتمحور حول مسألة "التأقلم" مع الصراع، فـ"إسرائيل" الموجودة بحكم الأمر الواقع تحتاج إلى فرض ظروف دائمة تتشابك حتى مع الواقع الداخلي لدول المنطقة، فهناك حدود لأي مفهوم ديمقراطي أو حتى لأي حراك سياسي يمكن ان يفرض نفسه في مساحة مجاورة لـ"دولة" تملك "رهاب" التهديد، أو ربما تقرأ وجودها وفق منطق إعادة تشكيل الصراع بشكل دائم.
بالتأكيد فإن الحدث السوري اليوم لا يمكن رده مباشرة إلى حركة "الموساد الإسرائيلي"، دون استبعاد أي احتمالات لذلك، لكن التحليل لسياق تطور الدولة السورية منذ الاستقلال، وقراءة الحركة السياسية فيها وتصاعدها يبقى أمرا مرهونا دائما بالحدث الذي فرضته "إسرائيل" منذ عام 1948 مرورا بعام 1956 ووصولا إلى 1967، فالتفكير بالحراك السياسي اليوم ربما لا ينفصل عن "الظروف الأولية" التي أدخلت عوامل مختلفة في تكوين الجغرافية السياسية السورية عموما... إنها مجرد انطباعات لتشابك الأزمات وربما للأسئلة التي يمكن أن يفتحها الحراك السياسي السوري عندما يفكر بمستقبله وبمستقبل الوطن.