الكاتب : جورج حاجوج

لا شك في أن التعاطي مع ذكرى النكبة وذكرى النكسة في هذا العام كان مختلفاً تماماً عما سبقه من أعوام.. غابت في هذا العام لغة الخطابات والمنابر وإعادة التذكير بالقرارات الدولية وحضرت لغة الدم الحار التي يبدو أنها أوضح وأبلغ من أيّة لغة وأفصح من أيّ شكل من أشكال إحياء المناسبات!.

ما حدث هذا العام، وبلا شك، لا يمكن له أن ينفصل عن سياق ما يجري في محيط "إسرائيل" العربي، خصوصاً وأن "إسرائيل" هي الأكثر قلقاً وترقباً لما يجري ولما يمكن أن تؤول إليه الحال في البلدان المحيطة بها..

"إسرائيل" تتفرج على ما يسمى بالثورات العربية هنا، والمظاهرات هناك، والاحتجاجات في مكان ثالث، ولا شك في أنها تدرس ما يجري في محيطها بكثير من التأني والترقب، قبل إحياء ذكرى النكبة وذكرى النكسة، وهي تتحين الفرص لجني الثمار والمكاسب "إن وُجدتْ"، كما اعتادت دائماً، على مدى سنوات الصراع العربي ـ "الإسرائيلي".

منذ اندلاع الثورة في تونس، وامتدادها إلى الدول العربية ـ ولو بصور وأشكال مختلفة ـ ونشوء ما يسميه البعض بـ "ربيع العرب" يبدو الموقف "الإسرائيلي" الأكثر رمادية وضبابية تجاه كل ما يحدث!.. وبالطبع فإن "إسرائيل" تحاول تسويق هذا الموقف تحت عنوان "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول"!.. إمعاناً في تسويق نفسها "كنموذج ديمقراطي" في المنطقة، "يحترم إرادة الشعوب ورغباتها"، الأمر الذي يطرح السؤال: ماذا عن إرادة الشعب الفلسطيني؟.. وماذا عن حق العودة الذي هو إرادة دولية أيضاً؟.. وماذا عن القرارات الدولية التي تدعم، "ولو نظرياً وعلى الورق!"، حق السوريين في الجولان وحق الفلسطينيين في فلسطين؟!.

واقع الحال يقول عكس ما تحاول "إسرائيل" إخفاؤه!.. إذ ثمة الكثير من القراءات والتسريبات التي تُظهر أن "إسرائيل" تحاول، بشكل غير مباشر، تأجيج الأوضاع هنا، وتأزيمها هناك، وتهدئتها في مكان ثالث و.. هكذا، وعلى نحو خفي قد لا يظهر للعيان.. إذ من السذاجة السياسية الادعاء أو القول إن "إسرائيل" لا علاقة لها بما يجري في محيطها لا من قريب ولا من بعيد!.

ومنعاً لحصول سذاجة سياسية أخرى مفادها أن "إسرائيل" تحظى بالحصانة والمنعة تجاه ما يحصل، وهي بمنأى عنه، جاء التعبير عن النكبة والنكسة هذا العام بليغاً ومختلفاً عما سبقه من أعوام، على اعتبار أن ما يحصل عربياً هو أحد تداعيات النكبة والنكسة بشكل أو بآخر، حتى ولو كان على المدى البعيد.

رسالة النكبة والنكسة في هذا العام، سواء أكانت رسمية وموجهة ومدروسة "كما يحب البعض أن يدعي.. وشخصياً لا أعرف ماذا يضير في ذلك؟!.." أم كانت شعبية كما ظهرت عليه، ربما تكون قد وضعت حداً نهائياً لهذا التمايز "الأمني والديمقراطي" الذي تسعى "إسرائيل" إلى تكريسه في محيطها ومن ورائها الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية!..

هي رسالة بليغة وواضحة ومهمة، وأهم ما فيها أنها ذكّرتْ بالحق، وهذه المرة بعيداً عن لغة الخطابات والإحياءات التقليدية والكلاسيكية لذكرى النكبة والنكسة.. هي رسالة مختلفة عما سبقها من رسائل، لأنها كُتبتْ بلغة الدم الفتيّ الشاب، الذي أبصر النور بعد النكبة والنكسة بسنوات.. والمؤكد أن هذه اللغة وحدها القادرة على أن تعيد ضخ الحياة في العروق والشرايين التي تيبَّستْ أو تكاد!!.