الكاتب : حسان عبه جي

حجم الضحايا وطبيعة الحدث في جسر الشغور دفع الأزمة السورية باتجاه الجديد، فالتركيز على المعركة الدولية التي تقودها فرنسا في مجلس الأمن تتداخل مع الحدث الأمني الذي يبدو الأخطر منذ بداية الأزمة، وهو ما دفع الحكومة السورية إلى إصدار بيانيين عبر وزيري الإعلام والداخلية.

في الساحة الدولية هناك محاولة واضحة للتعامل مع "الإرباك الأمني" الذي حدث في أقصى الشمال السوري، وهو ما دفع بعض المحللين للحديث عن "ذروة الأزمة"، حيث يبدو أن ما يحدث في جسر الشغور عصيان مسلح يهدف لإحراج الحكومة السورية من جهة ولخلق مقاربة مع أوضاع إقليمية مشابهة وفي ليبيا تحديدا، بينما يظهر "المجتمع الدولي" متأهبا لاختراق جديد هدفه الأساسي إعطاء زخم خاص لـ"الاضطراب" الذي تعيشه سورية عموما.

بالنسبة للشارع السوري فإن "المعركة الدولية" يبدو انها لا تدخل في سلم أولوياته، فالصراع القائم يبدو أشرس على الأخص أن مسألة "التسلح" لم تعد خافية على أحد، وأن محاولة خلق استقطاب "جهوي" أو "عشائري" أو حتى "مذهبي" هو جوهر الحراك الحقيقي الذي يبتعد كثيرا عن موضوع "الاستقطاب السياسي".

في المقابل فإن ما حدث في جسور الشغور أزاح الأزمة من مساحة "الاحتجاج السياسي"، ووجه دائرة الضوء من حماه باتجاه الشمال الذي ربما يشهد "معركة فاصلة" ضد بؤر التوتر المسلح التي حكمت الحدث السوري منذ البداية، ورغم تصاعد التصريحات الدولية بشأن سورية لكن آلية التعامل مع الأزمة تحمل مؤشرين:

الأول محاولة الحكومة السورية الخروج من الحالة التي يمكن ان تضيق حركتها، فجولة وزير الخارجية السوري تؤكد أن الدبلوماسية السورية لن تقع أسيرة الإرباك، وأن علاقاتها الدولية لا تحددها التصريحات الفرنسية أو الأمريكية أو حتى البريطانية.

الثاني أن المواجهة الداخلية تقوم على قواعد رفض السيناريوهات الجاهزة، على الأخص أن تحرك الأزمة يبدو أكثر تعقيدا مما تحاول نقله الفضائيات واختصاره ببعض التصريحات أو شرائط الفيديو، فالمواجهة الداخلية الأمنية والسياسية تفرز بذاتها تحد حول سورية ليس كنظام سياسي كما يتم تناقله، بل كدولة قادرة على استيعاب جغرافيتها المليئة بالتنوع أو حتى بإمكانيات مختلفة تحمل بذاتها عناصر قوة أو تتحول كعوامل ضعف.

وكشفت أحداث أمس مسألة التشديد على قضايا الإرباك السياسي، فما بثته قناة فرانس 24 من استقالة السفيرة السورية في باريس لمياء العاصي يشكل بحد ذاته أكثر من مجرد خطأ إعلامي، لأنه يدخل في محاولة خلق "بيئة دبلوماسية" مرافقة للأزمة، وهو أيضا يوحي بعدم القدرة من بعض الأجهزة الإعلامية على الخروج من المقاربات الجاهزة التي رافقت بعض الأحداث الخاصة بدول عربية أخرى، فبث الاستقالة المزعومة يقودنا باتجاه النموذج الليبي، لكن على أرض الوقائع هناك نوع من "المحاكاة" لهذا النموذج يظهر في أحداث جسر الشغور، سواء من خلال "المعارضة المسلحة"، التي على ما يبدو فقدت الآلية من خلال ثلاثة أسابيع من التظاهر دون احتكاك حقيقي مع الأجهزة المنية، وانتقلت إلى مرحلة جديدة لخلق منطقة تمرد متاخمة للحدود التركية وهي تجربة يمكن قياسها على أحداث جرت في ليبيا على وجه التحديد.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم وقبل 48 ساعة من يوم الجمعة هو عن مدى تأثير ما يجري في جسر الشغور على أشكال الاحتجاج التي يمكن تظهر، وبالتأكيد فالموضوع لم يعد مجرد اختبار بل هو آلية تصعيد تحرم كافة الأطراف السورية من تطوير حراك سياسي متزن.