نسق إعلامي واحد يظهر على الفضائيات، فبعض الإشارات الخجولة التي ظهرت على بعض المحطات العالمية بشأن (العصيان المسلح)، أو المعارضة المسلحة كما تحدث عنها روبرت فيسك في صحيفة الإندبندت أمس، لم تعفي معظم وكالات النباء عن الاستمرار في توصيف ورسم الحدث السوري وفق خط واحد مرتبط أساسا بمسألة الاحتجاجات....
الكاتب : حسان عبه جي
نسق إعلامي واحد يظهر على الفضائيات، فبعض الإشارات الخجولة التي ظهرت على بعض المحطات العالمية بشأن "العصيان المسلح"، أو المعارضة المسلحة كما تحدث عنها روبرت فيسك في صحيفة الإندبندت أمس، لم تعفي معظم وكالات النباء عن الاستمرار في توصيف ورسم الحدث السوري وفق خط واحد مرتبط أساسا بمسألة الاحتجاجات.
لكن بعض التقارير التي بدأت تتحدث عن "انفجار" مرتبط بالحدود السورية ربما يحيل المسألة بكاملها إلى تكوين مختلف، فالحديث عن مناطق الاحتجاج السوري على أساس العامل المشترك في كونها مناطق حدودية يدفع البعض للبحث عن خيوط الأزمة بعيدا عن أي تنظير يحاكي مسألة الثورات، والسؤال المطروح هل يمكن الاستناد فقط إلى رسم الاحتجاج على خارطة عسكرية؟ على إجابة في الحدث نفسه الذي انطلق من منطقة حدودية (درعا) وقفز إلى منطقة حدودية جديدة (جسر الشغور)، لكن الأمر وفق "التعقيد" السوري لا يقف عن حدود رسم مساحة واحدة فقط أو الاعتماد على تحليل يرضي طرفا دون آخر، فالتشكيل العسكري للاحتجاج ربما يصب في منطق المؤامرة، ومع عدم استبعد هذا الجانب، إلا أن الأمر يمكن ربطه بأربعة عوامل إضافية جعلت من التفكير بالمناطق الحدودية الشكل الأقرب لتوصيف الحدث السوري:
إن الحدث السوري ربما يحاكي المصري من حيث الأسئلة الكبرى، أي أنه يرتبط بالتوازن الإقليمي وبوجد "إسرائيل"، لكنه في سورية يبدو متشابكا أكثر، فالمسألة هنا هي "منظومة" يطلق البعض عليها "الممانعة"، ولكنها تبدو أعمق لأنها مرتبطة أساسا بتلاقي القوى الإقليمية عند نقطة محددة هي سورية. ومن هذا التصور فإن إشعال المناطق الحدودي يهدف أساسا إلى التأثير الداخلي على الجغرافية السياسية، وربما يهدف في النهاية إلى خلق تحركات سياسية فرعية أو حتى التأثير على مجمل الرأي السوري عموما.
العامل الثاني هو إصرار الرسمي على التعامل مع الموضوع بشقين يبرز الجانب المعيشي فيه بوضوح، فحزم الإصلاح تقوم على الموازاة ما بين السياسي والاقتصادي، وهو موضوع يدخل في تشخيص الاحتجاجات التي قدمت نموذجا في الأرياف بينما لم تمس المدن الكبرى عموما، وعمليا فهي لا يمكن توصيفها كثورة أرياف لكن بلا شك فإن مسألة التنية فيها ربما تلعب عاملا حاسما في عملية البحث عن طريقة "التجييش" التي تمت بها.
في مؤثر ثالث فإن موضوع الحياة السياسية لا يمكن إغفاله، فصحيح أن هناك تمثيل سياسي عبر أحزاب الجبهة لكن الموضوع لا يرتبط فقط بمسألة التمثيل بل بالحراك السياسي وبآليات التعامل ما بين المجتمع والأحزاب السياسية، فهل الاحتجاجات نوع من التعبير الذي وصل إلى أفق سياسي محدود؟!
السؤال السابق يقودنا باتجاه العامل الرابع الذي يقدم تصورا صعبا لمسألة الحوار الوطني، فالمسألة في سورية ليست في ظهور الاحتجاجات فقط بل في نوعية التكوين السكاني الذي يصعب معه خلق إرادة عامة في مسألة التغيير والإصلاح أو حتى في نوعية الشعارات التي يرفعها بعض المتظاهرين. ومن هناك فإن مسألة البداية عبر المناطق الحدودية تشكل نوعا "الحلول" لعدم وجود "طبقة وسطى" قادرة على التعاطف مع المحتجين.
تبدو العوامل السابقة كتفاعلات دائمة داخل الحدث السوري، وعندما يظهر العنف في جسر الشغور فمن الطبيعي السؤال عن الحدث السوري وعلاقته بالحدود، وأيضا في البحث عن الشعارات السلمية التي ظهرت في البداية لكنها في الواقع تحولت بأسرع مما هو متوقع إلى عنف ثم انتقلت إلى تسلح قبل أن يتم حسم "إرادة عامة" ترى الاحتجاجات كحالة يمكحن أن تلبي مطلبها.