الكاتب : ربى الحصري

مهما كان الوضع الداخلي السوري فإن الصورة التي تصل توضح معركة سياسية "كبرى" إن صح التعبير، فالتفاصيل الداخلية التي تصلني "هاتفيا" أحيانا او من خلال المواقع الإلكترونية هي شأن "أزعم" انه لا يملك خطوط اتصال مع "المعركة السياسية" التي تبدو إقليمية، والدخول التركي يوضح أن المسألة أكثر تعقيدا من "الاحتجاج" و "التظاهر"، ومن "السلوك السوري" تجاه المتظاهرين الذي أصبح عنوانا حقيقيا.

وأريد هنا تسجيل ملاحظتين في مسألة "الدفق الإعلامي" من جهة والآلية السياسية من جهة ثانية، فنحن نشهد شكلا غير مسبوق في "النسق الإعلامي" الخاص بسورية، وهنا لا نتحدث عن مؤامرة وفق الخيوط التقليدية، بل هو تحد في مسألة "فرض الأعراف الإعلامية" التي ظهرت بعد احتلال العراق تحديدا، فإذا حاولنا تجاهل العوامل السياسية يبقى أن وسائل الإعلام اعتادت "التحرك" وفق قوانينها في مناطق التوتر التي لا تتواجد فيها قوات أطلسية أو أمريكية، بينما تخضع لشروط مسبقة في مناطق العمليات مثل أفغانستان على سبيل المثال، ومنذ معركة تحرير الكويت ظهر جدل كبير داخل أوساط الإعلاميين بشأن قيود تحركهم، لكن الواضح أن شروط "الجيوش" كانت أقوى وهو ما حدث عند احتلال العراق، بينما نشطت جمعيات مختلفة بشأن حرية حركة الصحافيين في مناطق التوتر في "العالم الثالث".

ما حدث في سورية شكل مجابهة حقيقية في مسألة "الدفق الإعلامي"، وأنا لا أتحدث عن "انتقام" من السلطات السورية التي حدت من حركة الإعلاميين، إنما هي محاولة كسر إرادة إن صح التعبير باتجاه "الثقة" التي يريد الإعلامي التسلح بها والتي تصل بالمناسبة لحد "الغرور"، على الأخص عندما يتجول في مناطق يعتقد انه قادر فيها على تحقيق سبق خاص، وفي الحالة السورية ظهر الدفق الإعلامي وكأنه نوع فرض خط مواز من خلال شبكة الإنترنيت ليس للتعويض عن نقص المادة بل لتبرير ضرورة وجود "القانون الخاص" الذي يفرض الإعلامي الأجنبي في مناطق تواجده.

في سورية كان من الممكن فتح المجال للصحفيين الأجانب كي يتجولوا، والمخاطرة هنا في جعل الإعلام يخلق معركة على هواه على الأخص أن الحدث تطور إعلاميا وعلى الفضائيات قبل أن يصبح له ارتداد على الواقع، ففي سورية كانت هناك "دلائل" بالنسبة لأجهزة الدولة أن بعض أطراف المعارضة تملك خريطة كاملة للحدث، فخطورة دخول الإعلام بشكله المفتوح ربما يخلق مشكلة بالنسبة لأداء مؤسسات الدولة.

الافتراض السابق يقود باتجاه الآلية السياسية، لأن الإعلام حتى ولو كان مستقلا وموضوعيا ومتوازنا هو في النهاية وليد مشاهداته، فنحن نعيش زمن المعلومة الخاطفة، والملاحظ ان الآلية السياسية التي سار عليها الحدث كانت تشكل "ظاهرة" رغم أنها بدت عدديا محدودة، فبعد الأسبوع الأول تم الانتقال سريعا نحو شعارات محددة توحي بـ"ثورة كاسحة"، ولنتذكر ان الثورتين المصرية والتونسية لم تحطم "رموز النظام" بنفس الشكل الذي ظهر في سورية والذي يبدو أنه مقتبس من المشاهد التي تلت احتلال العراق، وهذه المشاهدات تم تداولها عبر وكالات الأنباء كعنوان لما يحدث في سورية، بينما سار الحدث على الأرض بطرق أكثر تعقيدا، فهل هناك تحالف إعلامي سياسي؟!

هذا الأمر ممكن... لكننا نريد تجاوزه لأنه يمكن أن يقود لمساحة لا نريدها وهي "المؤامرة"، فالمهم في النهاية تفكيك هذا التشابك لإيجاد حلول وربما تفكير مختلف في رؤية الحدث، لأننا في النهاية أمام مؤسسات ‘إعلامية أو سياسية لها مصلحتها التي تجنح لها وذلك بغض النظر عن الحدث السوري.