الكاتب : حازم خضر

من السذاجة إعادة مجمل التصريحات التركية الأخيرة حول التطورات في سورية إلى العامل الانتخابي. والارتخاء بالتالي بأن القيادة التركية ممثلة برئيس الحكومة رجب طيب أردوغان والرئيس عبد الله غل سينكفئان بعد الانتهاء من الاستحقاق الداخلي عن التدخل الفج في الشؤون الداخلية السورية والتي بلغت ذروتها في تصريح الرئيس غل المفاجئ عن الاستعداد لكل الاحتمالات المدنية والعسكرية/ في سورية/ مع إرفاقها مع الحديث عن تلقي القيادة التركية تقارير إستخباراتية على مدار الساعة عن التطورات في سورية.

بالتأكيد لن يتوقف ذلك الزخم من التدخل الذي بدأ بتصريحات متدرجة أطلقها أردوغان مع بدء الحركة الاحتجاجية في سورية وأخذت شكل توجيه النصائح للرئيس بشار الأسد بالتعجيل بالإصلاح وانتهت إلى ما وصلته بكلام غل. منطق الأمور يشير إلى تعاظم تلك الاستفزازات ترافقا مع اللهجة الغربية العدائية والتحرك ضمن مجلس الأمن الدولي وفي المنظمات الدولية الأخرى ضغطا على دمشق في محالة أبعد ما تكون عن الحرص عن استقرار أوضاعها الداخلية وهي التي باتت تواجه ، كما يرى العالم ، بأسره حالة تمرد مسلح سيطرت على مدينة جسر الشغور كما معرة النعمان .. ليصل الهدف الغربي أخيرا إلى إضعاف النظام في سورية بما يتوافق مع الترتيبات المعدة للمنطقة ، وبالتالي تمرير أجندات كبيرة تتصل بتسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي نهائيا ينطلق بشكل أساس من / يهودية الدولة/ الذي أيده باراك أوباما .

سورية القوية بحضورها واحتضانها للقوى المقاومة وبعلاقاتها مع إيران مع التغير الإستراتيجي الكبير في مصر تشكل عقبة كبرى في وجه مشاريع غربية كبيرة في مقدمها: الحفاظ على الكيان الإسرائيلي الذي اهتز من مجرد تحركات شبابية على عدة جبهات دفعة واحدة ، ورفع حالة الجهوزية لديه الى مستويات تذّكر بالأزمات الكبيرة التي واجهته فيما مضى ، فكيف سيكون الحال مع تحول تلك التحركات الى إستراتيجية عربية شاملة مع عودة مصر أو على الأقل ابتعادها عن التأمر على المقاومين العرب؟.

الصورة أكثر من واضحة ، لكن محاولة إرباك سورية من بوابتها الداخلية جعلت الصورة بالغة التشويش لدى كثير من العرب والسوريين لأكثر من سبب لعل أهمها ما يتصل بأن التحرك الذي واجهته سورية بدأ بتحرك مطلبي شعبي يدعو للإصلاح بكل صوره بعدما طال انتظاره، ورفع شعارات مكافحة الفساد وتحسين الحياة المعيشية وبطبيعة الحال المشاركة السياسية . إلا أن دخول المسلحين إليه والإصرار على استمرارية التحرك رغم تجاوب الدولة بشكل متناغم مع الطلبات وملامسة جملة الشعارات كـ :العمل على رفع حالة الطوارئ، والتظاهر السلمي، وتعديل قانون الانتخابات ،وقانون الأحزاب وصولا الى الحديث الجدي عن إلغاء المادة الثامنة من الدستور.. كل تلك العناوين تجيب بشكل كبير على جملة المطالب وتؤكد أن مواصلة التظاهر وتصعيده عبر دخول المسلحين إليه قتلا للمدنيين والعسكريين ورجال الأمن على السواء يخدم أجندات لا علاقة لها بالإصلاح لا من قريب أو بعيد وتزعزع قوة ومنعة سورية ووحدتها الوطنية خصوصا مع الدخول الغربي بصورته الفرنسية ثم التركية وحصار سورية الاقتصادي إمعانا في إضعافها وإرباك مشروعها الإصلاحي برمته.

الموقف التركي لا يخدم المشروع الإصلاحي الذي تعمل الدولة على إنضاجه وتطبيقه. بل على العكس ثمة ما يشبه التنسيق مع واشنطن في إضعاف سورية من باب داخلي بالغ الخطورة وهو الهدف الذي يتضح اليوم أكثر من أي وقت مضى لكثير من القوى الدولية والإقليمية مستغلة حالة حراك شعبي محق لاقته الدولة وطورت مطالبه إلى حزمة قوانين كفيلة بنقل سورية خطوات كبيرة إلى الأمام.