الكاتب : جورج حاجوج

منذ أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، قبل عقدين من الزمن، لتتسيّد الولايات المتحدة الأمريكية هذا العالم، وتتفرد وتستفرد في رسم مصائر شعوبه على طريقتها الخاصة، وتحتكر توزيع شهادات حسن السلوك والسمعة هنا وهناك..

منذ أن تنكبّت الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى عاتقها الشخصي وبالاستناد بكل تأكيد على "مصالحها"، مسؤولية نشر "الحرية والديمقراطية" في العالم وبالقوة والصلف والفرض والإملاءات، بما لا ينسجم ولا يتفق أساساً مع مبدأي الحرية والديمقراطية كمفهومين إنسانيين..

منذ أن اختل توازن العالم، وانهيار المنظومة الاشتراكية والشيوعية في أوروبا، وافتقاد أوروبا لخاصيتها المميزة ـ بشرقها وغربها معاً آنذاك ـ كبيضة قبان تمارس دور الحفاظ على توازن القوتين السوفييتية في ذلك الوقت والأمريكية، وبالتالي تحول أوروبا بمجملها تقريباً إلى ما يشبه الملحق السياسي والاقتصادي والعسكري بواشنطن..

منذ ذلك الوقت ـ عقدين من الزمن فقط ـ انقلب العالم رأساً على عقب، في الرؤية والرؤيا.. مال أكثر إلى أن تسود فيه شريعة الغاب "هي كانت سائدة ولكن ليس على هذا النحو البشع"، التي تملي رغباتها تحت ستار قانوني مرّة في أروقة الأمم المتحدة ومرّة في أروقة مجلس الأمن، وثالثة في المنظمات الدولية الحقوقية والإنسانية ورابعة وخامسة وسادسة و.. الولايات المتحدة تسعى "وياليتها لا تسعى" إلى تأسيس "عالم حرّ!" على طريقة وثقافة رجل الكاوبوي وسلخ فروات الرؤس وبيعها بدولار أمريكي واحد "يا بلاش" في بازار النفاق والكذب والضحك على الشعوب وإغوائها ببريق ولمعان ما تسميه واشنطن "نشر الحرية والديمقراطية"، وترفعه عنواناً لهذا البازار القذر!.

لا داعي للحديث عما فعله هذا البازار في شعوب الأرض.. لا داعي لذكر العراق مثلاً أو أفغانستان أو السودان وغيرها من البلدان التي لا يعرف إلا الله و.. واشنطن متى ستقوم لها قائمة، وهي إن قامت فلا بد أن تكون تحت مظلة المصالح الأمريكية، ولا يقول عكس هذا إلا "الغشيم" والساذج!.. لا داعي لذكر الصفقات المشبوهة كثمن لدفاع واشنطن عن حقوق هذه الشعوب وحريتها وديمقراطيتها وحقوق الإنسان فيها!.. بالإمكان ببساطة في هذا السياق الحديث عن الثورة التونسية التي وبكل أسف يقول البعض إنها صارت تحتاج إلى ثورة ثانية!.. ومثلها شقيقتها الثورة المصرية التي يقول بعض آخر أيضاً إنها قد سُرِقتْ أو إنها قيد السرقة!.. "اليمن وليبيا، ألا يصلحان كمثالين فاقعين لجولات الخراب والاستنزاف التي تمضي فيها واشنطن ومن ورائها أوروبا؟!!".

وبعد كل هذا، واستطراداً، وبعد كل ما حصل ويحصل في سوريا، هل يحق لعاقل سوري أن يقبل أو يقتنع في الإطلالات البهيّة للناطقين والمتحدثين الرسميين باسم البيت الأبيض ـ كم هو مذنب، وربما منافق، من سماه البيت الأبيض؟!. ـ ولأشباههم في الخارجية الأمريكية ومثيلاتها الأوروبية، عندما يتحفوننا بحرصهم على حقوق الشعب السوري، وعلى حرية الشعب السوري وعلى كرامة الشعب السوري؟!.. مرة أخرى لا يقتنع بهذا إلا "الأهبل" وربما بعض المختلّين الذين ما زالوا يصرّون على ترويج فكرة سمجة مفادها أن واشنطن وأوروبا عبارة عن جمعيات خيرية يرعاها قديسون وأولياء صالحين، وتوزع أعطياتها ونصائحها والأهم "حريتها وديمقراطيتها" لوجه الله تعالى!.

لا أحد يحق له الانتقاص أو الاستخفاف أو الاستهتار بقيمة الثورات والاحتجاجات والمطالبة بالحرية والديمقراطية وبحياة سياسية تستحقها الشعوب، ولا أحد يحق له الاستخفاف أو التنكر لمشروعيتها ولمشروعية مطالبها، فهذا سياق طبيعي ومنطقي في حياة المجتمعات، لكنه يصبح سياقاً خطيراً وهدّاماً ولا يقود إلا إلى الخراب إذا كان على الطريقة الأمريكية أو عبر البوابة الأمريكية السيئة السمعة والصيت و.. الذكر!.