الكاتب : نضال الخضري

انطباع وحيد مهما اختلف مصدر الخبر أو الصورة، فـ"القتل" هو سلاح التصعيد، وهو يشكل بحثا دائما عن ضحية كي يتم خلق الأزمة وإعادة تشكيلها كل يوم جمعة، فهو البحث عن أرقام متزايدة تحاول أن تعيد الخريطة وفق صور الدم والتشنيع والأجساد التي انتهكت في جسر الشغور، فأنا لا تهمني الرواية، بل محاولة تجريد الأحاسيس كي يصبح الموقف أو صناعته حالة مطلقة يتسلح بها الأطراف، فنعزل أنفسنا عن الحقيقة ونقف أمام الخيوط التي تشبك "إدارة التوحش" حتى تصبح السياسة على مقياس أفلام هوليود، فيسقط الضحايا وتصبح الجرائم مجرد صور متلاحقة للجان التحقيق.

أحاول أن أفهم الدافع الذي ينتقل بالبعض نحو رؤية الدم، فيستريح لأن المسألة انتقلت من السياسة باتجاه رغبات ماتزال مجهولة على الأقل بالنسبة لي، لذلك فالروايات لا تهمني ولا أريد تصديق شيء سوى لون الدم الحار الذي يمكن أن يسقط، أو من الممكن أن يصبح الأداة الوحيدة للسير باتجاه حالة لا يعرف من خلقها تقديم وصف دقيق لها.

في جسر الشغور ربما أقف أمام مساحة التاريخ... أمام نقطة الانطلاق نحو "المدن البائدة"، فهل فكر من قرر سفك الدم أن مسألة "البائدة" يمكن أن تستمر حتى في القرن الواحد والعشرين، أم أنه سحب نفسه على "اعتدال" ما بين طرفين ثم قرر أن يرسم شخصيته على الجغرافية وعلى جثث الضحايا التي دفنت...

لا أعرف لماذا تجاهد الروايات الإعلامية في اقناعنا، فعندما يرتسم الدم أو تنطلق الروح في تنهيدة يصبح الأمر خارج نطاق المعقول أو في داخل الصور المختزنة فينا، لأننا بشر نرسم قناعتنا قبل الحدث في كثير من الأحيان، ونبحث عن النتائج التي تحاكي تصوراتنا، فهل هناك أهمية للقناعات المتجهة نحونا...

بعد الدم والموت ليس هناك رواية محبوكة... وبعد الحديث عن أرواح كانت تحمل معها أحلاما ورغبات ينتهي الحديث عن بدايات ونهايات ويبقى حديث المستقبل هائما، فالحدث السوري نقلنا بالفعل إلى مناطق لم نكن نتوقع أنها موجودة داخلنا، وربما اكتشفنا أن من يعيش معنا يمكن أن يقفز باتجاهات عشوائية جديدة، ثم نقف أمام عتبة المستقبل التي تحمل معها "وحشية" البحث عن صور لا تكسر الهدوء الداخلي، ولا تجعلنا نخسر أنفسنا لمجرد أن "دوافعنا" تحولت أو أن زمن الثورات حفر خطا ما بين المحيط والخليج....

بعد "جسر الشغور" هناك شريط بشري يمتد باتجاه الشرق أو الغرب، أو يحملنا جنوبا عبر طرق كنا نسلكها فرحين، ومانزال نحلم بذلك الفرح الذي يمكن أن يحملنا نحو غد يتراكب مع كل مآسي الحاضر ويدفعها علنا نحلق من جديد.