الكاتب : ميسون عمران

كي لا أقع في مصيدة الفكر الأحادي ..كنت و ما أزال أتابع جميع القنوات .. و لأحاول رصد المحيط الفكري لهذه الأزمة عندما كنا نعتقد أنها أزمة.. قبل أن نتأكد من كونها مؤامرة..

قبل ذلك كان لدي فضول كبير لأعرف كيف تتصرف المعارضة في هذا الوقت .. أردت أن أستمع لأشخاص لطالما احترمتهم ..و احترمت ما يمكن أن نسميه نضالهم..

وذات مرة مع بداية الأحداث تقريباً، و بينما كانت الجزيرة تستضيف المعارض الشهير الإنساني الناطق باسم المرصد السوري لحقوق الإنسان ’ هيثم مناع’ حدثه المذيع عن تكلم أحد شهود العيان بطريقة طائفية- و لنضع تحت كلمة طائفية ستين خط أحمر- فتبسم و قال الناطق الرسمي.. للمرصد السوري.. لحقوق( الإنسان) إنها ( فشة خلق)!! ولا إدانة..

مع ذلك استمريت بمتابعة من قيل إنهم المعارضة الداخلية على أساس أنهم معارضة وطنية.. بداية من الحق الترحم على الشهداء الأبرياء .. ممن تظاهر حقاً بشكل سلمي أو سقط ضحية مظاهرة أو احتجاج شديد السلمية، أو من شهداء الجيش و الآمن..و كانت بلدتي و قراها قد استقبلت العديد من جثامين شهداء الآمن و الجيش.. حينها كان يخرج معارضون على تلك الفضائيات مستنكرين الدماء التي ينزفها المتظاهرون السلميون جداً .. محملين النظام و الأمن مسؤولية ما يحدث.. و كأنما لم يقتل أحد منهم .. و لم يهوى بالعصي على رأس شرطي .. و لم تمثل بجثة .. و لم تخرج شعارات طائفية على التلفاز.. و لم تخرج فتاوى طائفية..

اشتهيت سماع إدانة كل هذا.. معارضة للعنف المرافق لتلك المظاهرات.. ولكن اللغة الملتبسة و الساعية رغم دماء الأبرياء (وأعني بالأبرياء حتى الآمن الذي خرج بدون سلاح و قذف ببلوك أو حجر) لإدانة النظام وكأنها فرصة مكرسين مقال تلك القنوات و من وراءها .. و لماذا لا تخرج إدانة لمقتل الأمن؟ أدمهم حلال. . أم يفوت بذلك فرصة لإدانة النظام ؟.. أم أن العصي و الحجارة معليش و معليش يقتل الشرطي عصام حسن في إحدى المظاهرات السلمية جداً بالعصي فهم لم يكونوا مسلحين.. أفي عدم الإدانة منطق ثأري من الأمن .. أم سيتوقفون عن كونهم معارضة إن أدانوا مقتلهم .. أم الأمر ينسف تسويق السلمية الشديدة للمظاهرات؟

أو أنهم لم ينزلوا إلى الشارع .. و لا يجوز في حال من الأحوال تصديق الإعلام الرسمي فهو سلفاً كاذب.. و قد عانوا ما عانوه من الاعتقال و كم الأفواه و صارت الآن فرصة و لو على حساب كلمة حق واضحة و ليس ملتبسة أو مغيبة كنا نحتاجها ممن احترمناهم يوماً..

أهم شيء بالمعارضة.. معنى المعارضة و ليس متعتها ولذتها.

لا حاجة للمعارضة لتكون في نظام الحكم و سلطته و مؤسساته ليكون لها سلطة.. ما تحاوله هو إنشاء سلطتها في ثغرات سلطة الدولة و تناول الثغرات بتلك الطريقة الفوقية التي لا تفرق كثيراً عن رجال السلطة في مكاتبهم.. و محاولتها إنشاء سلطتها في تصوير نفسها كضحية.. و هذا ما تحتاجه.. أن تكون ضحية .. و تصوير نفسها كضحية مسكينة.. و من أخطاء الدولة تمسكها من ( خوانيقها ) لا لدفعها و تصحيحها، و الفرصة في الوقت الحالي للدفع نحو الأفضل بعيداً عن اخطاء المرحلة السابقة.. و المكان الميداني متاح في هيئة الحوار الوطني لمن يريد فعلاً الحوار و ليس المعارضة وحسب..
الآن و ما حرضني على الكتابة ..ما سمعته على شام إف إم بتاريخ 8 / 5/ 2011 في مقابلة مع بسام القاضي و التي على ما يبدو أنها أثارت الكثير من الرفض الشعبي لها..و لأول مرة و على شام إف إم أستمع مطولاً إلى أحد من رأي مختلف ..

و كنت قد تعرفت على بسام القاضي عندما كان يعمل في جريدة النور.. و في فترة دخول الاحتلال الأميركي إلى العراق على ظهر المعارضة العراقية.. حدث أمر جعلني أحترم بسام عندما أرسل بياناً موقعاً ساهمت حينها في تجميع بعض تواقيعه إلى محطة cnn الأمريكية بأن جميع أطياف المجتمع السوري ترفض الاحتلال الأميركي و تدخله و ستواجهه إن فكر بإيذاء سورية بما فيهم (معتقلون سابقون) ..

في الفترة الماضية تعرفت إلى بسام في عمله في مرصد نساء سورية و قدمت تحقيقاً متلفزاً عن حملة جرائم الشرف .. و هذا العمل المدني الهام كان يصب في معنى المعارضة.. و لكن في تلك المقابلة ما كنت أسمعه هو نوع من لذة المعارضة، و بتلك الطريقة السلطوية المخملية الناعمة.

أذكر قولاً للأستاذ حسن م يوسف ’ الفكرة الصح في الوقت الخطأ’ و هنالك من ذكره من المتصلين بطريقة ما بهذا الكلام ..

و كلامه حينها يشبه من يقرع المخطئ و هو واقف على الجمر .. أما ما آذاني حينها فهو نفس العبارات التي كان المعارضون حتى الوطنيين منهم يتكلمون بها مثل عبارات لا فائدة من الحل الأمني.. يجب أن يسحب الجيش.. أو التشكيك برواية الإعلام السوري..

دون أن يخبرونا ما هو حل كمين مسلح كالذي حدث في بانياس.. أو كيف يتم احتواء مظاهرات مسلحة.. أو كيف يواجه من يحرق مبان حكومية؟

بحسب رأيه لا يوجد مؤامرة..و لم نعرف لم إذاً و بالتوازي مع المظاهرات السلمية جداً حصلت محاولة عملية هز العملة السورية..

و إذا كانت قناة الدنيا كقناة الصفا.. كلاهما يحرض!! فهذا كلام في باطنه تبرئة لقناة فتنة طائفية داعية للقتل.. و هو يشبه من كان يساوي بين إسرائيل و حزب الله أو حماس فكلاهما سبب مقتل الأطفال!! و أرجو أن أكون قد سمعته بالخطأ أو لم افهم قوله..

و لكن ما استمعت إليه جيداً هو قوله إن الدنيا كالجزيرة تفبرك و تمنتج.. و على فرض أن الشهيد التلاوي و طفلاه لم تمثل بجثثهم والموضوع عملية مونتاج و فبركة.. ماذا عما يتناقله الناس .. الناس و ليس الإعلام ..
في قرية مجاورة لبلدتي مصياف .. مختلطة المذاهب و لا داع هنا لأستبق الأمور و أذكر اسمها ..حاولوا فيها في إحدى مظاهراتهم السلمية من قرابة أسبوعين نسف الحياة المشتركة التي كانوا يعيشونها.. لتكسر واجهات المحلات وزجاج نوافذ البيوت للآخر السوري في هذه البلدة ويروعون العائلات في بيوتها.. و ليظهر سلاح ظهر أنه مخزن منذ زمن أبعد بكثير جداً من زمن الاحتجاجات الحالية.. ربما منذ أن ذهب خطيب الجامع إلى السعودية .. فقبلها كانوا إن أقام أحدهم عرساً حضره الجميع.. و إن توفي أحد شيعه الجميع..و ما أن عاد وبعد إحدى خطبه في الجمعة منذ أكثر من عامين.. ولا أدري حينها ما كان اسم تلك الجمعة، خرج من الجامع شابان متحمسان و ليلاً بادرا إلى ذبح شاب ( آخر) ..خُلص الشاب حينها و لم يقتل.. و مع ذلك استمرت الحياة المشتركة..إذ اتخذت الدولة إجراءها..

خلاصة تلك المظاهرة السلمية (بحسب الجزيرة إن نقلت الخبر).. قتيلان من المسلحين و شهيد من الأمن برصاص قناص بينما كان يقمع المحتجين (بحسب العربية إن أخبرت).. و نزوح نساء وأطفال الفئة الأخرى إلى قرى مجاورة، ريثما ينظر الجيش في الأمر.. و لا اعلم كيف كان سيعلق أحد المعارضين ممن سمعتهم على هذا الأمر ’المسؤولية على النظام فهو من جعلهم متوحشين أو هو من صنعهم ’ و هذا حسب تعليق أحدهم على إحدى الفضائيات..

لم تحدث فتنة طائفية في القرية فقد مارس الناس من الفئة المعتدى عليها، أقصى درجات ضبط النفس منتظرين حل الدولة من خلال الجيش.

و ما يحدث لم تروه قناة الدنيا وتمنتجه في مكاتب المعرض الدولي.. هذا واقع عاشه الناس قربنا وأزمة لم تخترعها قناة موالية أو رسمية..

و عندما عرّف ’القاضي’ مصطلح الشبيح كرس ما عملت عليه الفضائيات الداعمة للثورات المناضلة جداً بإحياء مصطلح الشبيحة بطريقة خبيثة. و هو مصطلح بائد مكروه من جميع السوريين، محصور بالزمن و الجغرافيا .. و له دلالة طائفية.. و لكن المشكلة هو أن تتلقفه المعارضة الداخلية (الوطنية) و تستخدمه ضد الآخر المعارض لهم، كما فعل برهان غليون، وقد سمى ’ بسام أبو عبد الله’ بالشبيح المثقف..

أيكرس مصطلح ينطبق عليه ’ تنابز الألقاب’ .. فينسف لما للمصطلح من خلفية، قيمة من يرمى بهذا اللقب؟ أأكون من الشبيحة إن طلبت إدانة مقتل رجال الآمن و خلفية هذا القتل و دلالة المؤامرة أو إن طالبت بالجيش .. و رفضت فوضى المظاهرات .. أيكون الناس الذين كشفوا حقيقة ’ الناشط السياسي و الحقوقي’ محمود عيسى الذي عمل كشاهد عيان مزور شبيحة!!

أم برستيج المثقف لا يسمح بالكلام الموالي فهنالك لقب آخر جاهز ’ بوق النظام’ .. و برستيج المثقف هو المعارضة ففيها لذة الوقوف أمام السلطة بشكل فوقي.. و لا متعة بمحبة رأس النظام أو التوافق معه .. ممجوجة.. أو هي نفاق..أو لا فرادة فيها..

و لا داع لتكرار كلمة مؤامرة فهي أيضاً ممجوجة.. و فيها نفس من كلام العامة و نحن معارضة لا يجوز البحث في خلفيات ما يحدث إلا من زاوية واحدة.. أما الزاوية الأخرى فهي مرفوضة سلفاً.

نقول معارضة وطنية فهي لم تستقوي بالخارج.. و لم تستدعه: شكراً فضلتوا على راسنا.. مع أننا لم نسمع من المعارضين معارضة واضحة قوية لكل من تدخل في الشأن السوري...ليعطوا و بشكل غير مباشر نفساً قوياً لهذه التدخلات.. طالما أنهم لم يعترفوا بعنف المظاهرات.. أو بالضبط يحملونه للنظام..

و لكن أما حان الوقت لنتوقف عن سلطة المعارضة و العمل في معنى المعارضة ونتوقف عن كلام الحق الذي يراد به باطل لأنه الفكرة الصح في الوقت الخطأ..أو الكلام الملتبس عن حقيقة ما يجري.. لن يهز برستيج المعارض إن مد يده إلى النظام.. فالمطلوب في المظاهرات التي تخرج ليس إسقاط النظام و إنما إسقاط الدولة ..
والدولة لنا جميعنا.. أليس حرق المنشآت العامة عمل ينسف البنية التحتية الذي عادة ما تقوم به هو إسرائيل.. لماذا لم نسمع يوماً معارضة هذا الفعل أم هي ’ فشة خلق’ أو هو عمل مفبرك من النظام و إعلامه..

قال لي صديق مهووس بالآثار السورية إنه حدث أحد أصدقائه المعارضين: لماذا تذهب للمعارضة في الاتجاه السياسي فقط .. تعال واعمل معي في موضوع الآثار إن كنت تريد حقاً العمل لأجل سوريا..

و بالمناسبة لا بد أن نذكر باحترام نداء للباحث السوري فراس السواح على إذاعة شام إف إم و الذي عارضه كثير من المعارضين : فلنطفئ النار أولاً و بعدها لكل حادث حديث..