الكاتب : حسان عبه جي
مشهد جديد في مدينة حماه، حيث تم "فرض" إضراب بعد نداءات من "العرعور" المقيم في السعودية، ووزعت منشورات حسب صحيفة الوطن السورية تهدد بحرق المحال التي لا تستجيب لنداء الإضراب، ويأتي هذا التطور في وقت تحركت فيه دمشق باتجاه تركية، حيث أجرى معاون نائب الرئيس السوري العماد حسن توركماني مباحثات مع كل من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية محمد داوود أوغلو، وفيما لم ترشح معلومات عن اللقاءين، فإن بعض المراقبين يتحدثون عن محاولة "استيضاح" للموقف التركي الذي ظهر تصعيديا منذ بداية الأزمة.
ميدانيا فإن المشهد السوري لم يقدم الكثير خلال الأيام الماضية، فهناك تحركين دائمين: الأول يحمل تحركات متفرقة وليلية في الغالب في بعض المناطق، وفي المقابل فإن هناك حراك آخر معاكس لمسألة الاحتجاجات بلغ ذروته أمس في دمشق من خلال رفع علم على امتداد أتوستراد المزة، لكن الحراك الشعبي عموما يطفو على مساحات من الصراع الإقليمي أيضا، فالحديث عن سورية لم يعد مقتصرا على مسألة "التظاهر" أو "الإصلاح"، والآليات الدولية تبدو أكثر تركيزا على مسألة "الاضطرابات" التي ظهر شكلها المسلح مبكرا لكنه تطور بصورة ملحوظة خلال الشهرين الماضيين، ويتم التركيز اليوم على مسألتين في هذا الموضوع:
الأول حالة الاختبار التي برزت في منطقة جسر الشغور كنقطة حدودية ساخنة، وتداخل "الدور التركي" في هذا الموضوع من خلال مسألة "اللاجئين"، حيث لا يبدو تحرك أنقرة مفصولا عن المناخ العام الذي تم طرحه مع بداية الاحتجاج، وربما روجت له وسائل إعلام خليجية قبل أن تتحدث عنه وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون صراحة، حيث تم تناول "التدخل الإيراني" في سورية ربما كرد على مسألة ما يحدث في البحرين، ورغم أن الاتهام بحد ذاته دفع بعض المحللين للسخرية منه، لكنه قدم مؤشرا على صراع إقليمي ريما يسعى إلى خلق دائرة حول طهران من خلال البحث عن رسم صياغة لماكان سائدا في مفهوم "الاعتدال العربي"،
فالتصريحات التركية الضاغطة على سورية هي موجه لإيران أيضا عبر الإخلال بالتوازن الإقليمي الذي كان قائما.
السياسة التركية تحركت من خلال معطيات أرادت لها ان تبرز وبسرعة، فالشكل الإقليمي الذي جمع طهران وانقرة ودمشق لم يعد ممكنا وفق الصورة الماضية، وهذا الموضوع لا يعبر عن تحول استراتيجي بل تبدل في الآليات المتبعة من قبل "العدالة والتنمية" الذي سيخوض خلال المرحلة القادمة معارك سياسية من نوع آخر تهدف إلى ترتيب الشرق الأوسط وفي صياغة تتلاءم مع مسألة الانسحاب الأمريكي من العراق.
الثاني هو الحدود التي يمكن أن يصل إليها النظام الدولي في الضغط على سورية، فمسألة مجلس الأمن ليست فقط متعلقة بالموقفين الروسي والصيني تجاه سورية، والموقفين بالإجمال قويين ويعبران عن توجه واضح في الساسة الدولية للبلدين، لكنه أيضا مرتبط بالتعثر الخاص للناتو في ليبيا، وربما بالخطط المستقبلية لليبيا، فالحراك السوري في جزء منه ينظر اليوم إلى امتداد الموقف الدولي، وإلى طبيعة "الشرعية الممنوحة له أو حتى التسهيلات التي يمكن ان تقدم مستقبلا.
بانتظار الغد فإن جمعة جديدة سوف تمر وذلك بعد ثلاثة أشهر من الاضطرابات التي تسير وفق خط حرج بالنسبة للمجتمع السوري على وجه الخصوص، لكن مسألة الانتقال إلى خطوة جديدة أو صورة مختلفة لسورية هو امر ربما يحتاج إلى حسم إقليمي بالدرجة الأولى.