الكاتب : مازن بلال

لا يبدو أن الموقف التركي سيقدم مساحة مختلفة عما ظهر عليه عشية بدأ الاحتجاجات، فمسألة اللاجئين إلى أراضيه انتقلت من "أزمة إنسانية" إلى ورقة سياسية ربما تعني بالنسبة لتركية "تشخيصا" للأزمة من جديد، فحالة النزوح كانت جسر الشغور كانت غاية بذاتها لرسم ملامح توقعها البعض بداية في أحداث حوران ثم في منطقة تلكلخ على الحدود اللبنانية السورية وأخيرا في الشمال السوري حيث حدود الأوسع وربما الحساسية الأكثر وضوحا مع "الوزن التركي" المتوقع على الساحة الإقليمية عموما.

لكن مسألة النزوح ليس قضية بذاتها بالنسبة لسياسات العدالة والتنمية، إنما تعبر استراتيجية التعامل مع الدور التركي، فلا احد ينكر الموقع الإقليمي لتركيا ولا قدرتها مع حزب العدالة والتنمية على تحقيق معدلات نمو ضخمة، وهذا الأمر برز بشكل واضح خلال السنوات العشر القادمة، لكن أنقرة دخلت إلى المنطقة بشكل ربما عبر عنه وزير خارجيتها محمد داوود اوغلو من خلال فرض التوازن، فذهب الملف النووي الإيراني إلى أروقتها، وقبل ذلك دخلت في موضوع التسوية من الملف الأعقد من خلال استضافتها لمفاوضات غير مباشرة بين سورية و "إسرائيل"، لكن علينا هنا الانتباه لأمرين أساسيين:

الأول أن إحالة الأزمات إلى الخارجية التركية كان وفق سياق إقليمي من التوازن ما بين دمشق وأنقرة وطهران، بينما يبدو اليوم أن الأزمات تدخل في مساحة المنافسة على دور تركي على الساحة الدولية.

الثاني أن الفراغ السياسي الذي قامت تركية على ملئه ظهر مع التناقض الحاصل داخل دول الشرق الأوسط بما فيها إيران ما بين الممانعة والاعتدال، وظهرت تركية كاعتدال لا يرضي بالظلم، فهي غير مستعدة لحسم موقفها تجاه "إسرائيل" ولكنها بدت غاضبة بشكل دائم من تصرفات الحكومة الإسرائيلية. فهل هناك متغيرات على هذا الفراغ؟

بالتأكيد يمكن رؤية الموضوع من زاوية "الثورة المصرية" وما تبعها من حراك مصري داخلي، فإذا كان صحيحا أن مصر حتى اللحظة لم ترسم موقعها الإقليمي من جديد، لكن في المقابل فإنها تتجه عبر التيار الديني داخلها لاحتلال مشهد سيكون حكما مختلفا عن مرحلة حسني مبارك، وعندها يبدأ السؤال حول الدور التركي.

بعض الاتجاهات الأمريكية في تحليل هذا الموقف تتجه "مذهبيا"، فتركيا قادرة على صياغة مشروع إسلامي مغاير لإيران، وهنا سيبرز السؤال حول المشروع الإسلامي في كل من مصر والسعودية، ومع عدم تبلور المشروع الأخير يبدو انتقال تركية أسرع على مساحة تأثيرها المباشر أي سورية والعراق، وإذا كان الحزام الكردي في العراق يحد من التأثيرات المباشرة، لكن بالنسبة لسورية فإن الأمر مختلف، وظهور حزام من "اللاجئين" لن يشكل مبررا لتدخل عسكري بل إزاحة الحلول السياسية إلى أوراق ضغط للحفاظ على "الدور التركي" بذاته، والأمر اليوم مرهون بقدرة الداخل السوري على استيعاب أن سورية بقدر ما تمثل نظاما سياسيا بالنسبة لبعض المحتجين، فإنها أيضا منظومة إقليمية تتأثر بعوامل متعددة، وهو امر يحتاج إلى نظر حتى لا نسقط "المنظومة" في الوقت الذي نحاول فيه رسم مشهد سياسي سوري مختلف.