الكاتب : حسان عبه جي

عادت الولايات المتحدة لتصعيد لهجتها تجاه سورية، فيما ظهرت تقارير إعلامية حول مسألة دعم المعارضة السورية ماليا، وتأتي هذه التطورات على خلفية الوصول إلى "طريق وعر" بشأن اصدار مجلس الأمن لبيان يتعلق بالأوضاع في سورية، ورغم ان مسألة استخدام روسيا أو الصين لحق النقض (الفيتو) ربما تخضع لاعتبارات مختلفة، لكن حتى مجرد تمرير القرار وسط صمت روسي وصيني ربما يجعله مجرد تحرك مؤقت لا يؤدي لتنفيذ ضغوط حقيقية على دمشق.

من جهة أخرى فإن العودة إلى مسألة التفاوض مع موسكو بشأن هذا القرار التي برزت من خلال اتصال وزير الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، بنظيرها الروسي سيرغي لافروف؛ تطرح مجمل مؤشرات حول مسألة "السيناريو التركي" الذي ظهر خلال أحداث جسر الشغور، وقدم وبقوة دورا لأنقرة ليس فقط بالضغط على دمشق بل وبرسم خارطة طريق خاصة، أو حتى بجعل القيادة التركية التي تريد "خطف" الموقع السياسي في ظل الحدث السوري على التعامل دون أي هوامش سياسية، وهناك مؤشرين اثنين ظهرا وتطورا خلال الأشهر الثلاث الأولى:

الأول عملية الإرباك السياسي التي طفت مبكرا على سطح الحدث السياسي من خلال الموقف التركي، وتم تصوير الوضع السوري عبر "ملامح تركية" بالدرجة الأولى، فاستضافة مؤتمرين للمعارضة السورية على أرضها لا ترسم تنسيقا ما بين البلدين بقدر كونها نوعا من "الإحراج" الذي سكتت عنه دمشق، لكن التصريحات المتكررة أوحت على الأقل بأن الحليف الذي وقف إلى جانب سورية في أزمات قوية سابقة لا يتخلى عنها فقط، بل يريد منها رسم مسار يتطابق مع وجهة نظره.

محاولات الإرباك السياسي تشكلت من خلال سيناريو منح "الشرعية" لأي حل داخل سورية بغض النظر عن الاعتبارات الخاصة سياسية كانت أو اجتماعية، فمنذ بدأ الاحتجاجات تم فرض جزء كبير من المعارضة في الخارج من النافذة التركية تحديدا، وهو أمر لم يضعف الموقف السوري لكنه أثر بشكل مباشر على التحركات الدولية التي وجدت منفذا هاما من خلال أنقرة للتعامل بشكل مختلف، ودفع الأوضاع باتجاه يضمن لها ضغطا فعالا على سورية.

لكن تطور الحدث وربما ظهور الحكومة اللبنانية بطيفها الأكثر قربا لوجهة النظر السورية أحال مسألة الإرباك إلى نقطة حرجة، فدمشق ظهرت من جديد ضمن منظومتها الحقيقية رغم الحدث الداخلي الضاغط، ووفق بعض التقارير فإن الحكومة اللبنانية الجديدة كسرت احتمالات تفكيك القاعدة التي تربط دمشق مع لبنان، وفي اتجاه آخر تضع الموقف الإيراني على الخط، فنحن امام جبهة تتكرر بمعناها الإقليمي وليس بتفاصيل صراعات هامشية يتم فيها استبدال "إسرائيل" بعدو افتراضي جديد. هذا الأمر دفع نحو موجة جديدة من التصعيد تجاه سورية سواء عبر سيناريو تركي أو فرنسي أو حتى أمريكي، وبات واضحا أنه لا يمكن الاعتماد على أنقرة فقط لمواجهة الحدث السوري بل لا بد من الانتقال إلى آلية موازية تبلورت بشكل سريع من خلال العودة مددا إلى إيقاع مجلس الأمن.

الثاني نقل الأزمة باتجاه الحدود التركية - السورية، فإذا كانت مسألة الاحتجاج او التظاهر شأنا داخليا سوريا لكن تطورها في جسر الشغور كان "دراماتيكيا" إن صح التعبير، وسط رواية تتمسك بها تركيا وتستخدم اللاجئين إليها كحالة قصوى من التعامل مع الأزمة، ففي جسر الشغور لم يكن هناك متسع من الوقت حتى تتطور التظاهرات إلى أمر واقع يسمح لأنقرة باستخدامها، وكان العنف المسلح سريعا إن لم يكن خاطفا.

التناقض في الروايات لا يرجح حديث المعارضة السورية التي تتبناه أنقرة، حتى ولو تناقلت كل وسائل الإعلام العالمية جانبا واحدا متجاهلة التصريحات السورية والروسية، لكن هذا الموقف يرجح نوعية الحل السياسي الذي يتم تبنيه سواء في أنقرة أو في باقي العواصم الأوروبية، حيث ظهر خلال أسبوع جملة من "الافتراضات" السياسية إن صح التعبير مثل سيناريوهات انشقاق الجيش أو غيرها، لتوضح أن الرهان السياسي ذهب إلى أقصى نقطة له، مما دفع بعض وسائل الإعلام للتحدث عن ملامح المرحلة المقبلة التي أقرت خيوطها سلفا.

هل نحن أمام ذروة سياسية وإعلامية يمكن أن نشهد بعدها هبوطا في حدة الخطاب تجاه سورية؟! وفق الوقائع على الأرض من الصعب بناء نهايات واضحة للحدث السوري، لكن الأكيد ومن خلال التقارير الإعلامية التي ظهرت خلال الأسبوع الماضي أن هناك استثمار حدي للحدث السوري، ومحاولات لحسمه افتراضيا أو حتى إعلاميا، وهو أمر ربما يحمل معه نوعا من التفكير حول مستقبل المنطقة ككل بكل أزمتها التي غالبا ما كانت تصل إلى ذروة دون أن يظهر حل واضح، لكن هل سينطبق هذا الأمر على سورية؟! بالتأكيد لا لأننا في هذه الحالة نكون وصلنا إلى تكسير ملامح الشرق الأوسط بشكل يؤثر على معظم دول المنطقة، مما يجعل سقف الاحتمالات، بينما المطلوب دوليا على الأقل أن تظهر سورية خارج المنظومة المعتادة لها كدولة قادرة على "التحكم" بالكثير من المعطيات الإقليمية.