الكاتب : أنور بيجو

لماذا تحضرني اليوم بعض العبارات ، مثل (الأرنب الذئبي) و (العمق السطحي) و (التحدب المقعر) ... هذا كان أيام النقاشات زمن المراهقة ، والمراهقة في النقاشات .

ما الفرق بين تلك العبارات ، والعبارة التي تواجهنا اليوم ، كل صباح ومساء مثل : (الواقع الافتراضي) .... في خمسينات القرن الماضي ، يُحكى أنّ أحد مثقفي الأحزاب وقف على (المصطبة) يلقي كلمة بالفلاحين .... أطال في الحديث ، ولم يكن الحديث مفهوماً للجمهور ، مع الوقت ضجر الفلاحون من كلامه، فعلى صوتهم وشوشوا على الخطيب المثقف، فاقترب أحد الفلاحين المرافق للمثقف الحزبي، وقال له: أتسمح لي يا أستاذ ... وتوجه للفلاحين قبل أن يأتيه الإذن، وصرخ بأعلى صوته: أيها الأخوة الفلاحون، ماذا تريدون؟؟ أجابوا بصوت واحد وصل عنان السماء : (السيح) و (السيح أرض من أملاك الدولة كانوا يطالبون أن ُتملّك لهم).

تدور النقاشات ، والنقاشات في الثقافة السائدة حتى اليوم، هي هدف بحد ذاته، فلا مشكلة أن نعود إليها يومياً، المهم المتعة في الجلسة، فالوقت للمثقف قتّال، يفتك بأعصابه إن لم يخرج ما بداخله، وهذا الإخراج إما أن يكون مشافهة عن طريق النقاش مع آخر أو أكثر، أو عن طريق الكتابة .... النتيجة العملية للنقاش أو الحوار، غير مهمّة.

جيد أن يتذكر أدونيس أنه سوري، ويخاف بصدق على بلده، وجيد أن يرد عليه نصري الصايغ، مفترضاً أنه ردّ ونصر الديموقراطية، جيد أن يعالج اليوم أدونيس قضية الحرية منذ الأزل، في واقع وتراث هذا العالم العربي، وجيد أيضاً أن يردّ عليه نصري الصايغ، عن الحرية من عالم الثقافة الكونية الافتراضي، جيد أن يدمي من يشاء قلوبنا، وجيد أن أن يتطوع من يشاء ليقطع اليد التي تسأل كيف أساعدكم؟ وجيد، في نفس الوقت، أن يصافح اليد التي ترفع عصى الأستاذ في وجهنا نحن الشاميون السوريون، ويقول تعلموا أيها الجهلة.

أيها السادة ، نحن أمة تعيش بين حدين، الأول ذاك الذي (يُعري العريَ، ويحاصر شكله الفارغ من المعنى ... ليدرك معناه)، والحد الثاني: ذاك الذي يصرّ أن يحلبَ التيس، مع كامل إدراكه أنه تيس، فلا تتباروا أيها السادة على زيادة منسوب الاطمئنان أو القلق لدينا .

اسم ابني البكر (أدونيس)، وليس لهذا أية علاقة باسم الشاعر، أدعوك يا أدونيس يابني أن تعود إلى سوريا، أعرف قلقك، وأعرف عشقك لسوريا، وأعرف أنك عملت من أجلها ما استطعت في غربتك َ، لكن تعال... فلن تعرف غلاوتها، حتى تتحسس الخطر يلامس جدران المنازل فيها، لن يجديكَ الدفاع عنها افتراضياً، ولن يفيدك الحديث عن عقم الحرية في التاريخ، تعال في (اتجاه معاكس) لاتجاه الذين ذهبوا إلى تركيا قسراً أو طوعاً، مناسب جداً أن تأكل اليوم من خبزها، بل حرام عليك أن تأكل من أي خبز غير خبزها، تعال ... لا تبتعد عنها، هي تظنّ أنها تنازع، هي تريد أن تتحسس أبناءها بأناملها الرقيقة، هي تريد أن تبث موسيقى اسمها في روحهم، تعال .... لستُ أباً صالحا إن جنبتك هذا النوع من الأخطار، تعال ... واعبر في طريقك إلى مثوى جدك يوسف العظمة .. حدثه قليلاً ... لكن لا تنسى أني بانتظارك، تعال ياأدونيس ... في مجلس براءتنا، في ساحات ذهولنا، في ملكوت قلقنا.... سنشمّ رائحة تراب سوريا ثم نقبله، نحمل بعضاً منه ، ونضع قليلاً في كل غرفة من منزلنا ، كي نتذكر من (نحن) ..... تعال .... سأضمك إلى صدري ونقيم احتفال (ثقافتنا) على أرض سوريا.