الكاتب : زينب الدبس

على ما يبدو أن سيناريوهات ملامح المرحلة المقبلة باتت تتكشف بشكل أوضح حاملة معها دلالات ومؤشرات من شأنها أن تعيد توزيع خارطة التحالفات في العالم ، فمبررات الموقف الروسي الأخير الرافض بشكل واضح لمحاولات مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن الرامية لتدويل ملف الاحتجاجات السورية عن طريق تمرير قرار دولي يستهدف دمشق بقي محط أنظار العالم.

فما شهدنه المنطقة العربية في الآونة الأخيرة من ركوب موجة الثورات التي شملت معظم الدول العربية شكل انعطافة في تاريخها وعلى أساسها وبنهاية مرحلة التحول سوف يعاد تعريف الحلفاء وكذلك الخصوم أو المنافسين، حيث حمل الموقف الروسي العديد من التكنهات حتى أن بعض الصحف الغربية وصفته قائلة إن "روسيا تضع دائرة حمراء حول سوريا". كما يمكن اعتباره مؤشر قوي وواضح على العمق التاريخي للعلاقات السورية الروسية التي بدأت في منتصف الأربعينيات، وحافظت على استمرارها حتى اليوم رغم المتغيرات المختلفة.

الواقع الاستراتيجي كما يصفه الخبراء الروس، يقول إن سوريا تشكل بالنسبة لروسيا مركز الفاعلية الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط، وهذه الفاعلية تدعمها في نفس الوقت العلاقات بين إيران وسوريا، وهذان البلدان معا بحكم علاقاتهما الإستراتيجية الوطيدة بموسكو، يمثلان معا ذراع روسيا الطويلة في الشرق الأوسط، هذه الذراع التي تمتد أصابعها في تشكيلات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ولو سقطت سوريا سينقطع هذا الذراع، ولن تكفي إيران وحدها، بل ربما تصبح في حد ذاتها عائقا للفاعلية الروسية في الشرق الأوسط، بحكم علاقاتها المضطربة بمعظم دول المنطقة.

وهناك قاعدة مسلم بها دوليا، وهي أن معيار أهمية أية دولة كبرى وفاعليتها، هو مقدار تواجدها في أهم المناطق الإستراتيجية والحيوية في العالم، ولا يختلف اثنان على أن منطقة الشرق الأوسط على رأس هذه المناطق الحيوية وأهمها على الإطلاق، وهي بتاريخها الطويل، ساحة صراع الدول العظمى، وأيضا ساحة صعود وهبوط هذه الدول بالمقابل تدرك سورية أن توسيع علاقاتها مع الدول التي تسعى لكسر الأحادية القطبية أمر استراتيجي لمصلحة سورية وتفهم حركة المتغيرات الدولية وتسعى انطلاقاً من ذلك للمحافظة على دورها كبلد إقليمي له تأثير لا يمكن تجاوزه، وتعزيز أمنها المستهدف.

بالمقابل أن الموقف الروسي تجاه ما هو عربي وإسلامي يختلف كثيرا عن الموقف الأميركي الذي يقوم على الحوار والتفاهم والتعاون والدعم لا على الإملاء والضغط والتهديد والوعيد.

وممالا شك فيه أن روسيا حريصة على استمرار روابطها مع العالم العربي وتنمية التعاون المثمر بينهما في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإستراتيجية.

وفي هذا الخصوص تشير المعطيات إلى أن ملف الحدث السوري سوف يصبح بمثابة نقطة بارزة في مسيرة علاقات خط موسكو ـ واشنطن، وتأسيساً على ذلك يبرز السؤال : هل ستسعى موسكو باتجاه خيار عرقلة مخططات ومشروعات الهيمنة الأمريكية والأوروبية الغربية بعد أن أدركت موسكو تماماً بأنها أحد أهم المستهدفين لاحقاً، وبأنها سوف تكون الضحية الكبرى.