بقي لقاء المعارضة في فندق سميراميس أول أمس محورا استقطاب الحدث السوري، وفيما تحدث بعض المعارضون في الخارج عن تجدد عمليات الجيش في محافظة إدلب، لكن بيانات مديرية إدارة الأزمات والكوارث الطبيعية بمجلس الوزراء التركي أكدت تراجع أعداد النازحين، وظهرت مساحة انفراج إقليمي على الأقل وذلك مع الحديث عن جولة عربية لوزير الخارجية التركي محمد داوود اوغلو ستشمل سورية.

وبرز على السطح أيضا لقاء لمعارضين سوريين في الخارج مع ميخائيل مارغيلوف موفد الكرملين إلى أفريقيا ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد. وفيما قال رئيس الوفد رضوان زياده "إن روسيا يمكنها اللجوء إلى سبل ضغط على النظام السوري لكي توصل إليه الرسالة بوضوح بأن هذا النوع من السلوك غير مقبول". فإن مارغيلوف جدد موقف بلاده الذي يرى أن حل الأزمة يجب أن يكون سياسياً وعبر الحوار السياسي بين السلطات السورية والمعارضة، داعياً السلطات في دمشق إلى "تجسيد" الوعود الإصلاحية على ارض الواقع والتشاور مع كل القوى السياسية في البلاد في ما يتعلق بموضوع الحوار الوطني. وأوضح "بالنسبة لنا، الحوار السياسي مهم. العملية السياسية مهمة مع وقف كل أشكال العنف في أسرع وقت ممكن".

لكن الأزمة السياسية كشفت جانبا آخر لها في وقت بدى أن اللقاء التشاوري في سميراميس أعلن مواقف وقدم "التزاما أخلاقيا" تجاه ما اسماها بـ"الانتفاضة الشعبية"، دون أن يتخذ خطوة إضافية باتجاه البحث عن برنامج التغيير المطلوب، ورغم ان المؤتمر شهد سجالا داخل أوساط المعارضة نفسها لكنه على ما يبدو أعطى مؤشرات مختلفة وحتى احتمالات متعددة في مساحة الحدث السوري، ويمكن التركيز هنا على عاملين أساسيين:

الأول هو المؤتمر بكونه ظاهرة جديدة وربما غير مألوفة بالنسبة للداخل السوري، فمقارنة مع حدث سابق وهو إعلان دمشق، فإن ما جرى أول أمس حدث عبر مواجهة مباشرة ما بين الطيف الذي يرى أنه يشكل المعارضة، وفي المقابل كانت ردود الفعل الرسمية مختلفة نوعيا أيضا، ولكن إلى أي حد استطاع المجتمعون تحقيق شروط "اللقاء السياسي"؟ وهل يمكن اعتبار ما حدث مقدمة موضوعية لرسم ملامح جديدة؟

عمليا فإن تسجيل المواقف بالنسبة للحاضرين ليس جديدا، فهم قدموا تلك المواقف سابقا على شاشات التلفزة، والشارع السوري والسلطة السياسية أيضا تعرف جيدا طبيعة الوصف الذي يقدمه النشطاء والمعارضون للوضع السوري، فالفارق الوحيد أن "المؤتمر التشاوري" شكل "حشدا" لهذا الموقف، لكنه في المقابل لم يقدم رسما لأي خارطة سياسية يمكن أن يتوزع عليها المشاركون، فالمسألة لا تبدو فقط في تحديد طبيعة "الصراع مع السلطة" أو "مد الأيادي" نحو المتظاهرين بالشارع، فبعد ثلاثة أشهر نستطيع الحديث عن "نوعية التحول الديمقراطي" المطلوب بكل عناصره وبالأسئلة التي تواجهه على الأخص أننا واجهنا تحديا على مستوى "الهوية السورية" إن صح التعبير.

الثاني نوعية الترحيب الدولي التي بدت وكأنها تنظر إلى المؤتمر على قاعدة البحث عن منفذ يمكن التعامل معه، وربما توسيع إطاره، وليس بعيدا عن هذا الأمر تأكيدات من السفارة الأمريكية أنها "على اتصال" مع المعارضة السورية، فهل يمكن التعويل على من حضر المؤتمر على انه "تمثيل" واسع للشارع السوري؟

الصورة التي بدت لسورية إعلاميا على الأقل بعد المؤتمر تؤكد ان "المساحة السياسية" مازالت تحتاج لعمل نوعي متعدد الآليات، وربما استراتيجيات للنظر إلى مستقبل سورية على ضوء النتائج الذي قدمها الحدث المستمر منذ أكثر من ثلاث أشهر، فالقضية ليست مجرد انطلاق فقط، بل متابعة وعلى مستويات مختلفة، فـ"النشطاء" الذين وجدوا أنفسهم وسط دائرة الاهتمام الإعلامي والسياسي أيضا ربما يحتاجون لاستعادة الأنفاس قليلا لإعادة رسم موقع المعارضة من جديد وبنائها أيضا بشكل يتوافق مع المرحلة القادمة