الكاتب : نضال الخضري

عبارات الإعلام تثير السخرية على الأخص عندما تتحدث عن "تطور لافت"، او في "موازاة الحدث"، أو حتى عندما تتحدث عن "انفراج في الأزمة"، وبالتأكيد فإن الإعلام مضطر لاستخدام كلما يمكن ان تنقل القارئ أو المشاهد إلى مناخ مختلف بعيدا عن تصوراته الشخصية، وتقدم له بيئة مختلفة ومنفصلة عن كل التفاصيل التي يتعامل معها، وهذا ما يحدث اليوم عندما ننتقل على مساحة الحدث السوري في الفضائيات.

المشكلة فيما يحدث انه يبقى "دون الأمل" سواء كان في نوعية البحث عن المستقبل أو حتى في رؤية التطورات التي يخطها الجميع مهما كان موقعهم أو موقفهم، فما يرسم المظهر القائم لا يتشكل بصورة المواجهة التي يمكن أن تظهر مع الواقع، بل هي جملة من المعارك المختلفة والمشتتة، وحتى عندما تقرر المعارضة أن تدخل فإنها تتلاقى مع الآخرين في البحث عن "جبهة" كي تتمرس خلفها.

ميزة "الانتفاضات الشعبية" أنها قادرة على التعامل مع التداعيات وإنتاج نفسها كمظهر جديد ومستقل، وتوصيف مؤتمر "سميراميس" ما يجري في سورية على انه انتفاضة شعبية ربما يقودنا إلى البحث عن التعامل مع التداعيات، أو حتى تشكيل "الواقع الثقافي" الخاص بها، فهي انطلقت وأفرزت هجوما على المجتمع من أجل شده نحوها، وبالتأكيد فإن الهجوم كان ولا يزال افتراضيا حتى ولو وجد تحركا على أرض الواقع، لكن الحملة بالأساس برزت على التويتر والفيس بوك، وهو أمر لا يعيبها، لكن الصراع على المجتمع السوري بلور نفسه وفق حركات تريد حصتها من الشارع، ومن الصعب رؤية ما يجري مهما كان موقعه على الجغرافية السورية على أنه إرادة عامة باتجاه واحد.

بعد الحدث السوري اختلفت التوصيفات، فالمسألة لا تتعلق فقط بالمصطلح الرسمي الذي أطلق على ما يجري بل حتى في نوعية تحديد الصورة من خلال إطلاق أسماء على يوم الجمعة تعبر عن مسألة خلق الحشد الجماهيري دون النظر إلى ما بعد مرحلة إطلاق الأسماء، فالانتفاضة عادة ما تستطيع من خلال نوعية صراعها رسم المسار فهل حدث هذا الأمر في سورية؟!

لا أريد التسرع، لكن في النهاية لا أحد يستطيع تأكيد أن حركة الاحتجاجات تملك صورة واحدة، ولا احد أيضا يمكنه الحديث عن أن ما حدث استطاع خلق إرادة عام باتجاه عملية الاحتجاج، ومهما كانت مطالب "المتظاهرين السلميين" محقة فإنها لن تشكل بذاتها دافعا للتغير أو الإصلاح إذا بقيت دون الإرادة العامة...

أكثر ما دفعني للغضب هو حديث تلفوني لأحد أعضاء اتحاد التنسيقيات مع تلفزيون BBC عشية مؤتمر سميراميس عندما طالب السلطات أن تعطيهم إحدى الساحات حتى يرى العالم كيف ستجتمع الملايين! لا حاجة للسؤال هل منحت السلطات المصرية المحتجين إذنا لكي يقفوا في ساحة التحرير.. ولا حاجة للسؤال أيضا هل تمنح أي سلطة سياسية حتى لو كانت في بريطانيا مثلا حق الاعتصام للآلاف في إحدى ساحاتها... المسألة مرتبطة بإرادة عامة تنشا عادة داخل الطبقة الوسطى عندما تتماسك وتسعى إلى خلق تحول... هذا على الأقل ما تعلمناه في الجامعة، وإذا كنا نريد بالفعل التحول الديمقراطي فربما علينا قراءة خارطة الاحتجاجات من جديد كي نشكل رؤية لهذا التحول، ولا يكفي إطلاق المواقف ووضع التصنيفات، فنحن نتحدث عن المستقبل السوري أولا وأخيرا..