بدت المؤتمرات التمثيلية التي انعقدت منذ بداية الأحداث في سورية وكأنها تبحث عن بديل لقضية التمثيل السياسي، فالاجتماعات الأولى التي انعقدت في تركية جنحت وفق سياق "الديمقراطية" كما ظهرت في العراق إلى خلق مساحات لا سياسية من خلال التمثيل العشائري أو الديني أو حتى الطائفي، رغم أنها في النهاية كانت تريد الإيحاء بتصديها لموضوع سياسي بامتياز متعلق بالاستبداد.
عمليا فإن كل المؤتمرات التي انعقدت في تركيا بحثت داخل التركيبة السكانية، في وقت كان الحديث عن "احتجاجات شعبية"، ولم يكن موضوعها "الإرادة العامة" في سورية عموما بل شكلت "تظاهرات" للتأثير على المنحى العام، لكن تعدد المؤتمرات التي أصرت على التعامل خارج السياسة لإعطاء مسألة "التمثيل" بعدا خاصا يقدم عاملين أساسيين:
الأول النظر إلى الإرادة العامة في سورية على أنها محاولة خلق توافق بين "مجموعات سكانية" وليست إرادة موجودة بحكم الوطن السوري والدولة السورية، ويوضح المؤتمر الأخير الذي انعقد في اسطنبول هذه الإشكالية من خلال انسحاب "الجانب الكردي"، وفي المقابل فإن الخلافات التي اندلعت بشأن حكومة الظل تشبه إلى حد بعيد "الخلافات الوزارية" في لبنان بشأن توزيع الحقائب، ورغم ان هذا الحدث يجري خارج سورية وربما يعترض عليه عدد لا بأس به من السوريين المعارضين، لكن اتجاه الأزمة في سورية ذهب نحو هذا الانقسام في وقت مبكر، وبغض النظر عن الأسباب فإن النتيجة اليوم هي "بحث ديمقراطي" فلسفي ونظري يتم طرحه من قبل المعارضة، في مقابل حركة احتجاج تسير على ما يبدو وفق صورة مؤتمرات تعقد خارج سورية.
الثاني البحث في إضعاف النظام السياسي من خلال تفجير "التناقضات الاجتماعية" وهو أمر لا يمكن السيطرة عليه لاحقا، فحتى عندما تتهم المعارضة بأن السلطة السياسية هي المسؤولة عن مثل هذه التناقضات إلا أن خلق مناخ ديمقراطي يتطلب آليات تزيل التناقض بدلا من تفجيره، فإلقاء اللوم على "تاريخ السلطة السياسية" لا يعطي مشروعية لأية معارضة في تفجير التناقض أو نسف "المجتمع السوري" لصالح نزعات عشائرية أو مذهبية أو دينية.
ما حدث في حمص خلال اليومين الماضيين يشكل ذروة الأزمة بالنسبة لنتائج مؤتمرات يتم عقدها في الخارج، وتملك زاوية رؤية لسورية ما قبل الدولة وحتى ما قبل السياسة، وإذا كان الإسراع بإقرار قانون للأحزاب يعيد التمثيل السياسي إلى موقعه الصحيح يشكل حلا، لكن في نفس الوقت هناك حاجة لتطوير الرؤية العامة داخل المجتمع وفي قلب "المبادرات" التي تنطلق في محاولة لرفض الطريقة التي تتجه إليها الأزمة السورية.
بالتأكيد فإن الاحتكام للشارع لن يتوقف خلال فترة قصيرة، فهناك دفع معنوي دائم نحو تضييق هوامش الحلول والاتجاه لنسف السياسة لصالح العنف، ولكن في المقابل فإن ظهور بناء سياسي يبدو مسؤولية عامة وبعيدة عن التصريحات التي يتبرع بها معظم النشطاء أو حتى السياسيين فنحن لسنا أمام معركة إعلامية فقط لأنها انتقلت اليوم إلى نطاقنا الاجتماعي.