ضمن قالب جاهز يتم الحديث عن "موالاة" و "معارضة" في إسقاط سريع على محيط إقليمي ضيق هو لبنان، علما أن مصطلحي الموالاة والمعارضة ظهرت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبالتأكيد فإن المسألة لا تتعلق بالإقرار أن هناك معارضة سورية، وفي المقابل هناك سياسة تجابهها المعارضة يُطلق البعض عليها تسمية "الموالاة"، لكن التسمية بذاتها لا تنطلق من الوظائف السياسية للطرفين بل من صورة العلاقة القائمة حاليا، فقبل موجة الاحتجاجات لم يكن هناك "موالاة"، بينما كانت المعارضة مهما كان حجمها وسواء عبرت عن حركات أو أراء فردية موجودة في الداخل والخارج.

في إطلاق التسميات اليوم تجاوز كامل لنوعية الحراك الاحتجاجي، وربما أكثر من ذلك لأنه يدخل في إطار إيجاد انقسام اجتماعي فبل أن يكون سياسي مادام النموذج اللبناني جاهزا للتطبيق، فمسألة الموالاة لا تعني الجهاز السياسي الرسمي بل يشمل أيضا دائرة أوسع أطلقت أجهزة الإعلام عليها مصطلحات مثل "الشبيحة"، وهو مجال مفتوح وغير محدد ويبدو أن اسمه يمكن أن يظهر في أي مكان، وبالتأكيد فإن الإعلام اختار هذا المصطلح بشكل انتقائي يرتبط بذاكرة المجتمعين السوري واللبناني في آن. وبالتأكيد فإن الإعلام السوري ساهم أيضا في فتح مجال المعارضة من خلال مصطلحات خاصة طورها مع تسارع الحدث.

لكن القضية ليست فقط البحث عن مصطلحات إعلامية لأن ما يحدث عمليا هو "نمذجة" للعلاقات السياسية وحتى الاجتماعية على هذا السياق، فيصبح أي تحرك مغلق على نفسه ضمن حالة افتراق واضح، وما أن نسمع شعار حتى نجد ضده سواء على الفضائيات أو حتى على أرض الواقع، وهو الأمر الذي يجعل من "الموالاة" و "المعارضة" حالة واقعية لا يولدها الإعلام إنما يوفر لها مجالا لكي تتطور وسط حدث سوري ربما فاجأ الجميع.

السؤال المطروح اليوم هل مسألة "القطيعة" تشكل أجندة بذاتها داخل الأزمة في سورية؟ فاستخدام مصطلحات لها أرث سياسي داخل لبنان، والتعامل أيضا مع "طيف الموالاة" على أنه نقيض حركة الاحتجاج، وفي المقابل فإن "طيف المعارضة" خرج أيضا عبر الإرباك الإعلامي بتقديم تفسيرات لمسألة الاحتجاج والانتقال من مصطلح لآخر، فظهرت نتائج لا تعبر عن "خلافات الرأي" بقدر كونها "انقسامات" أو عدم القدرة على تقديم صورة متكاملة لموقع كل من "المعارضة" و "الموالاة" على الخارطة السياسية.

عبر هذه الانقسامات سيظهر قانون الأحزاب إلى الوجود ليس عبر مشروع فقط بل من خلال محاولة الحراك الاجتماعي إعادة بناء الحياة السياسية، ومهما كانت الانتقادات على القانون لكن التحدي الحقيقي هو في قدرة القوى الاجتماعية على إعادة تنظيم نفسها بعد أربعة أشهر من الروايات والروايات المضادة، في وقت لم يتحول فيه الخطاب الإعلامي على اختلاف مصادره تجاوبا على الأقل مع المرحلة الحالية.

قبل الأحداث الحالية كنا نعتقد ان المواطن العربي يملك حيادا إعلاميا، لكننا اكتشفنا أن الإعلام ربما يفشل أحيانا في خلق رأي عام لكنه بالتأكيد قادر على تفجير التناقضات على الأخص انه أصبح مزودا بشبكات التواصل الاجتماعي التي تريد أن تحل محل منظمات المجتمع المدني، لكنها في النهاية تنتج سلسلة نماذج قادرة على إثارة الحدث لكنها تعجز عن التحكم به.