تبدو الرهانات على الجيش السوري أكبر من أي وقت مضى، ويأتي عيد الجيش وسط تقارير إعلامية مكثفة حول مستقبلنا في ظل الدور الذي يمكن ان يلعبه الجيش ليس فقط لضمان المن والاستقرار بل أيضا وفق سيناريوهات بدأت مبكرة، وظهرت من خلال تقارير أمريكية مع بداية الأزمة حاولت إعادة رسم موقع المؤسسة العسكرية في سورية.

عمليا من الصعب البحث في مسألة الجيش بعيدا عن التفكير بالمسار السياسي الذي اتخذته سورية حتى في مراحل ما قبل الاستقلال، فإذا كان قرار الجيش هو العامل المرجح في أي حراك سياسي، فإنه يبدو اليوم في ظل ظروف قاسية عاملا في تحفيز الإرادة العامة، وربما بدت الصورة الإعلامية أكثر قسوة تجاه المؤسسة العسكرية، فهي على أحد الجوانب تظهر صور الشهداء فيما الجانب الآخر لا يرى في المشهد إلا مسألة سحب الجيش من المدن وذلك وفق آلية تحاول أن تجعل "الجيش" جزءا من الصراع القائم، ورغم ان محاولة تجاوز الروايات بشأن سلمية الاحتجاجات أو عدم وود مسلحين تبدو صعبة، لكن من الممكن النظر إلى التفكير السياسي القائم أو تطوراته المحتملة وفق التجاذب الحاصل في النظر إلى الجيش السوري:

من ناحية أولى من الصعب التفكير بسورية ماضيا وربما مستقبلا دون قراءة العوامل العسكرية، فالجغرافية السورية لم تكن محايدة وهي محاطة بالأزمات منذ الاستقلال وحتى اليوم، فالدور الذي احتله الجيش في الحياة العامة لسورية لم يكن شبيها بحالات الانقلاب التي ظهرت في أمريكا اللاتينية على سبيل المثال، لأنه جاء من بنية الحياة السورية وربما ضرورة لبقائها، بكل ما يعنيه من حراك عام يتأثر بواقع الجيش أو العكس حيث تؤثر المؤسسة العسكرية على اتجاهات الحياة العامة.

الأمر الثاني أن سورية كانت محاصرة بتجربتين أساسيتين شكلتا تحديا بالنسبة لها الأولى في تركية حيث كانت مؤسسة الجيش هي العمق الخاص بكل شيء، والثانية "إسرائيل" التي شكلت تكوينا مركبا يصبح فيه الجيش في كثير من الأحيان هو "الكيان" بذاته، وبالتأكيد لم تكن تركيا ولا "إسرائيل" حالتين محايدتين بالنسبة لسورية، وهو ما رسم للجيش موقعا خاصا في ظل تجارب ضاغطة على الحياة العامة السورية.

النظرة الكلاسيكية للمؤسسة العسكرية ربما تختصرها في مواضيع محددة، وتجعل منها شكلا يقارب الكثير من الدول الأخرى، لكن الجيش في سورية هو في النهاية مؤسسة تدخل في صلب الحراك الاجتماعي وبالتأكيد من الصعب شطب تاريخ سورية من داخل هذه المؤسسة، فعندما ننظر إليها اليوم فإننا نفكر بالمستقبل، وربما بالقدرة المضافة إليها بعد التجربة القاسية التي تعيشها البلاد اليوم، فهي ليست رمزا وطنيا فقط بل أيضا صورة طالما أراد البعض من سياسيين ومواطنين عاديين الدخول إليها أو التعامل معها أو حتى اعتبارها خلاصة معادلة القوة...

عيد الجيش ربما يدفعنا من جديد لرسم هذا التفاعل ما بين المجتمع وعناصر قوته التي جسدها الجيش سياسيا وعسكريا في مراحل مختلفة.