أدخلت مسألة مدينة حماه الأزمة السورية باتجاه محور جديد، فرغم ان ما يطرح داخل مجلس الأمن هو محاولة لمشروع قرار سابق، لكن الحدث السوري لم يعد نفسه وربما الأجندات السياسية الإقليمية طرأ عليها بعضا من التطورات، ورغم الحديث عن مسألة الاحتمالات بشأن اتخاذ قرار أممي أو حتى بيان رئاسي من مجلس الأمن، لكن المهم هو طبيعة انعكاس مثل هذه الأمور على الساحة السورية، فالتمهيد الحقيقي لمسألة أي قرار لم تكن فقط في موضوع مدينة حماه، بل أيضا في نوعية "البيئة السياسية" التي تظهر بشكل متتال إقليميا على الأقل.
عمليا فإن تمركز الجيش في مداخل حماه شكل عنوانا للمراجعة السياسية الحالية، لكن عمق هذا الموضوع يكمن في محاولات تجميع أطراف المعارضة على الأخص في الخارج، وهو ما ظهر منذ منتصف تموز عبر مؤتمرين عقد الأول في اسطنبول والثاني في الدوحة، وهذين التحركين على اختلاف المشاركين فيهما أعادا من جديد صياغة الحراك السياسي تجاه سورية وفق أمرين:
الأول قدمه مؤتمر الدوحة من خلال مشاركة نشطاء من سورية، معتبرا نفسه تجمعا للمفكرين فغرضه قراءة سيناريوهات، وبغض النظر عن المحتوى الذي قدمه المؤتمر لكنه أعطى "بيئة الاضطراب" بعدا نظريا ولو على مستوى العنوان فقط، لأن معظم ما قدم لم يكن جديدا.
الثاني مؤتمر اسطنبول الذي حاول خلق "آلية تحرك" في وقت ظهرت فيه الأزمة السورية وكأنها تقف في نقطة واحدة، وظهر حديث عن حكومة ظل في وقت بدا فيه أن تكوين برنامج سياسي للمؤتمر غير ممكن.
في كلا المؤتمرين كانت مسألة بناء شرعية بديلة هي الهاجس الحقيقي، لكن هذه الشرعية تبدو مرهونة بتوجهات الهيئات الدولية التي مكنت "المعارضة الليبية" على سبيل المثال من خلق مساحتها الحقيقية سواء عبر غارات الناتو أو الاعتراف الدبلوماسي بهذه المعارضة، فنحن في الواقع أمام بناء شرعية ربما يكون مختلفا عن أي مرحلة سياسية سابقة، لأنها شرعية محكومة عمليا بالتوازنات الدولية وحتى الإقليمية، والمسار السياسي الخارجي الذي اتخذته الأزمة السورية يؤشر وبشكل قوي على أن صورة سورية المستقبلية موجودة ضمن هذه المعادلة التي ترتبط فيها التعددية السياسية بالتوازنات المحيطة بها، فهي نسخة معدلة عمليا، وفق الرؤية المرسومة حتى اللحظة على الأقل، للشكل الليبرالي الذي ظهر في أعقاب الاستقلال.
وليس بعيدا عن هذا الموضوع التركيز على موضوع الجيش، وحتى الحديث الإعلامي عن "انشقاقات" في داخله، وحتى في وقت مبكر من بداية الأزمة فإن سيناريو "انقلاب الجيش" ورد في عدد من التقارير الأمريكية، وذلك في وقت كانت الأمور لا توحي بأن الجيش سيتحرك باتجاهات مختلفة داخل الخارطة السورية.
أي شيء سيصدر عن مجلس الأمن لا تكمن أهميته في مسألة الإدانة أو التأثير المباشر على المؤسسة السياسية الرسمية، بل في تكريس تلك الصورة النمطية لليبرالية تسير على سطح الحدث منتجة أحزابا وحياة سياسية، وفي المقابل تُخضع السياسية السورية للتوازنات المفروضة سلفا، في وقت تبحث الإرادة الاجتماعية عن تعددية وديمقراطية متكاملة وليست خاضعة لأي شرط آخر غير الإرادة الاجتماعية، وهذا هو التحدي الأساسي الذي سيواجه الحياة السياسية القادمة...