يهتمون بسقف الحوار... هذه هي الخلاصة التي يمكن جمعها من كل من تابع ما حدث بالأمس، فالمسألة على ما يبدو نوع من الخطوط التي يتم ربطها اليوم ما بين الدولة او السياسية والحركة الاجتماعية، ولكن هذا "السقف" الذي بات هم الجميع لا يعني بأن تحرك الأزمة يسير وفق "سقف الحريات"، ولا يعني أيضا أن الحوار هو تسابق على طرح ما كان مكتوما، وربما يبقى السؤال المعلق هو التسلسل الذي يجعل من الحرية أمرا ممكنا ومقبولا ليس من المؤسسات الرسمية بل من الجميع.

ما أرعبني بالأمس هو طبيعة الاختبار الذي أقحمته المداخلات داخل الجلسة، لأن الحديث عن الواقع أو عن "تفكيك الدولة الأمنية" حسب تعبير الدكتور طيب تزيني، أو أي مصطلحات أخرى تم تداولها ظهرت بالنسبة لي على الأقل وكأنها محاولات اختبار طاولة الحوار، أو وضعها ضمن الحد الأقصى الذي يبدو في بعض جوانبه نوعا من "كسر الاستفزاز"، وبالتأكيد فإن المسألة ليست ردود فعل من السلطة السياسية أو حتى من أي مؤسسة أخرى، بل انطباع ربما يسري لدى كل من تابع الجلسة أن هناك أكثر من مجرد البحث عن الحلول للخروج من الأزمة، فهو عقود زمنية متراكمة، ربما منذ الاستقلال وحتى اليوم، يتم رميها وبشكل سريع على طاولة الحوار.

الحوار لم يبدأ عمليا في مجمع صحارى، فهو انطلق قبل ذلك وعبرت عنه مساحة القلق التي ظهرت على صفحات الجرائد ربما من قبل ان ينفجر الحدث في مصر، فهناك تحول عميق حفر داخل جغرافيتنا، وجعلنا ندرك ضرورة خلق آفاق أمام الأزمات المجمدة التي ظهرت بعد أحداث مصر وكأنها قفزة في الحدث إلى فضاء مجهول، فالحوار لا ينتهي أحيانا إلى حلول، وعلينا تقبل هذا الموضوع، لأنه في النهاية محاولة لحث الطاقة الإبداعية لدى المتحاورين لإيجاد تفكير جديد يمكن أن يكون خطوة اولى نحو الحل.

من لم يشارك في الحوار يحق له الترقب، لكن المعادلة السياسية السورية ليست موجودة داخل أي مؤتمر، وهي أيضا لا توجد في الشوارع حيث يخرج المحتجون، لأنها في النهاية معادلة متنقلة تحتاج إلى بناء سياسي يمكن أن تستقر فيه، فهل نحن على أبواب مثل هذا البناء؟ لمجرد التفكير بأن هناك أمر يحدث على الساحة السياسية يدفعنا للتفاؤل بمسألة ظهور مثل هذا البناء، فالحديث اليوم داخل أروقة مجمع صحارى ربما يشكل نافذة تم فتحها ولكن بشكل دائم.

إدخال الحوار داخل اختبار الثقة هو أمر يبدو مزعجا ولا أدري إذا كان ضروريا، فانعكاساته ربما لا تظهر بشكل سريع، وربما علينا منذ اليوم التأقلم مع هذه المغامرة التي انطلقت في سورية كي نستطيع الخروج من الأزمة.