حسب بعض صفحات الإنترنيت والفيس بوك فإن بيانا للمثقفين لم ينتقد فقط تحقيقا وضع في جريدة السفير حول حماه، بل وقام بتصنيف كاتبة التقرير ووضعها ضمن سياق يشبه إلى حد كبير ما يستنكره نفس المثقفين من ممارسات تجاه السلطة السياسية، لكن القضية ليست في تقرير عن مدينة سورية فقط، فالحديث الثقافي السوري يظهر وفق سياق من التعسف لا يتماشى مع طبيعة البحث عن مخارج للأزمة أو محاولة بناء ديمقراطية، فالهجوم الذي تعرض له أدونيس يدخل في هذا السياق، واللوائح السوداء التي ظهرت ومن الجانبين توضح ان المسألة تتجاوز الثقافة.

الحدث السياسي وطبيعة الأزمة في سورية يمكن أن تفرز مواقف متطرفة، لكننا نتحدث اليوم عن حراك ثقافي كان من الممكن ان ينتج بناء جديدا أو حتى عمقا لكل المطالب الإصلاحية، فنحن نتحدث عن فضاء أوسع من التحرك السياسي وعن آراء وحتى مواقف يمكن أن تخلق مناخا يتيح التفكير الحر في زمن يقف فيه المجتمع السوري أمام جغرافية سياسية جديدة كليا.

هناك من يرى الفرصة سانحة في هذه اللحظات للقفز بعيدا في الموضوع الثقافي، أو حتى ليصبح الرقيب الجديد الذي يقف على شفاه الصحفيين ويحذف ما يشاء، وإذا كان هذا الأمر متاحا على الصفحات الشخصية على الفيس بوك فإنه إعلاميا يشكل بداية لأشكال استبداد جديدة، ولمعاقبة أصحاب الرأي الآخر وذلك قبل أن يتم حسم الصراع السياسي أو إيجاد مخارج للأزمة الحالية، فالانقسام السياسي مهما كانت طبيعته لن يكون بخطورة الانقسام الفكري الموجود أساسا منذ مراحل الاستقلال الأولى لكنه يتميز اليوم بحدة غير مسبوقة.

من بدأ هذا الشكل من التسلط؟ الأمر ليس مهم لأن التسلط عندما يبدأ فإننا نعاني من نتائجه، وأن يقفز البعض ليحتل موقع "السلطة" ويشكل فرزا وحتى تخوينا على سياق عمليات التكفير بالتاريخ فإنه يشكل الديمقراطية على طريقته أو حتى على منهجه الخاص الذي لا يأخذ بعين الاعتبار أن الانتقال للتعددية تحمل أيضا خلافات ليس فقط في المواقف بل في زوايا التفكير والرؤية المختلفة لما يحدث.

بيان المثقفين الموجه أساسا لتحقيق نشرته السفير ليس محقا أو مخطئا بل هو تجاوز لأي عرف ديمقراطي يبشرنا به النخب التي لا تريد سوى ركوب الموجة حتى ولو أدت إلى ارتطامنا بصخور التعنت والآراء المسبقة والأحكام الغيابية على الناس والتاريخ وحتى على العمل الإعلامي بذاته، فما يحدث ليس اختلافا مع آراء بل تهجما على أي تفكير يخالف ما يراه مثقفو المعارضة... فهل هذه تباشير الديمقراطية الجديدة!!!