عبر مقال تم نشره قبل يومين في جريدة الخليج حول عوامل الأزمة السورية، للكاتب سليمان تقي الدين، يتم الحديث عن ان ما يحدث هو "تفاوض" وليس "حوارا"، وهذا الأمر يبدو حقيقيا لأبعد الحدود، فعبر مراجعة لسير المواقف منذ أربعة أشهر وحتى اليوم فإننا نجد انفسنا أمام حزمة من المطالب تكبر أحيانا، أو تتحول باتجاه قواعد سياسية مختلفة.

التفاوض سمة واكبت التظاهرات والاحتجاجات، وهي وإن لم تأخذ حيزا من التحليل لكنها في واقع الأمر رسمت ملامح "آلية" العمل التي وصلت في آخر محطاتها إلى اللقاء التشاوري الذي عُقد في مجمع صحارى، فبينما كان من المفترض أن يتم النقاش حول آلية الحوار إلا أن ما حدث هو معالجة "حزمة" الإصلاحات حتى من قبل الحضور، وهو ما يفترض سلفا أن مسألة الحوار تقوم على مجموعة "شروط تفاوضية" تسبق أي جلسة يتم فيها طرح الأفكار الخاصة بسورية عموما وليس فقط بالإجراءات المتعلقة بنواحي سياسية محددة.

كيف يمكن أن يكون مثل هذا الحوار؟ هو عمليا نقاش حول تصوراتنا لسورية لأن الحدث أوضح أننا مختلفون خارج إطار الدولة على كل شيء، وربما مستعدون للاختلاف حتى على تفاصيل لا علاقة لها بالحدث الحالي لكنني نقحمها بما يجري لأنها مناسبة لطرح كل ما لا نرض عنه في دائرة الأزمة الحالية، فعلى جانب المعارضة أوضحت المؤتمرات في الداخل والخارج ان هناك تصورات سورية متناقضة أحيانا بدءا من الحديث عن "الفسيفساء" السورية التي انتشرت سريعا على صفحات الفيس بوك، وصولا إلى نوعية التمثيل السياسي الذي وجده البعض على السياق اللبناني.

وعلى جانب المعارضة أيضا هناك هروب من الأسئلة التي تطرحها تحديات التعددية السياسية، فهذا الأمر يحتاج إلى قراءة سورية ووضع برامج التعددية السياسية والحزبية وهو ما حاول الجميع تجاوزه باتجاه عملية "استبدال السلطة"، وربما من هذه النقطة تحديدا تبدو شعارات التظاهرات وأشكالها مختلفة، بينما يتم ممارسة استبداد ثقافي في تشخيص "الأزمة" أو حتى في وصفها.

أما المقلب الآخر من المشهد فتظهر مسألة "دعم الإصلاحات" بشكل احتفالي، ربما يرى البعض أنه ضروري لمسألة التعبئة الاجتماعية، لكن محصلته السياسية تقف عند حدود واضحة لا ترسم المشروع السياسي بكامله، فمن هو مؤمن بأن ما يحدث اليوم ربما يمثل "ولادة مشروع سياسي" ربما عليه التعامل مع تحديات "الديمقراطية والممانعة" ليس كنقيضين بل كصورة لسورية علينا رسمها بعلمية وجدية.

المشروع السياسي لسورية في مرحلة ما بعد الأزمة يمكن أن يبدأ في هذه اللحظة من خلال رسم الجمهورية القادمة التي ستظهر مع تعديل الدستور، وأحيانا لا أستطيع فهم كيف سيظهر هذا الدستور قبل أن نضع تصورنا العام لسورية المستقبل...

بقيت الأحزاب القديمة والمستحدثة عند نفس النقطة.. مطالبات ومواقف.. وفي النهاية فإن التصور السوري يحتاج إلى حوار وهو ما يجب ان يلتقي عليه الجميع.