تعليق أحد الأصدقاء على الفيس بوك جاء بأنه رأي حلما بأن ماركس يصلي صلاة التراويح، وعلى ما يبدو فإن هاجس رمضان يختلف هذا العام عن أي شهر صيام سابق، فهو مكلل بالصخب الإعلامي الذي خلق لنا مزاجا نفسيا نتعرف عليه من خلال تجربة الضجيج... فهل علينا أن نعيد تعريف الضجيج الذي يستعير جزءا من الثواني التي تعبر بنا اليوم؟ أما أننا بالفعل أمام اختلاط في مسألة "الثورة" وكأنها تٌصنع" للمرة الأولى في الأزقة والحواري قبل أن تنطلق من المساجد؟

الغريب أن المساجد رغم كل حالة الاستقطاب الذي شهدته في السنوات الأخيرة بقيت مكانا يحمل فيه المصلون متاعبهم ثم يحلقون بعد الصلاة في طقس ربما يجعلهم أكثر "سكينة"، أو ربما كان هذا انطباعي وأنا أراقبهم يخرجون بعد ساعات من صلاة الفجر يوم الجمعة، وكان الشارع يحوي خليطا من البشر والسيارات لا تملك هوية طبقية تجعلني أحلم بكارل ماركس أو حتى بقدرته على الانطلاق من مقبرة هايغيت في لندن، ليحط رحاله في محيط دمشق أو حتى في حي الميدان، كي ينهي واجباته الدينية ثم "الثورية" بعد أكثر من 18 ساعة صيام.

الحقيقة أن تلك المقاربة تدفعني من جديد لنبش الحدث وكأنني أتعرف عليه للمرة الأولى، فالمسألة لا تتعلق بماركس أو بالشكل الكلاسيكي للثورات، ولا حتى ببعض الملاحظات التي تنطلق من قبل بعض التنسيقيات بأن الثورة لا تتخذ شكلا محددا، وربما أتفق مع هذا الرأي أو أخالفه.. لا يهم... لأن عمق المسألة هي في نوعية الآلية التي يمكن ان ترسم ملامح ثورة قادرة على ابتكار ثقافة جديدة، أليس هذا الأمر هو ما تفعله الثورات بغض النظر عن أشكالها؟

غاندي قاد ثورة في الهند مختلفة نوعيا عن الثورة الفرنسية أو حتى عن الثورة البولشيفية، لكن النتائج كانت من نفس الجنس لأن الثورات مهما بدت عنيفة او مسالمة تملك حلما في عملية التغيير الاجتماعي، فهي إما تقود مثل هذه العملية أو تخلقها من خلال آلية. والثورة أيضا مهما كان وقودها: شباب أو كهول أو تشكيلات مسلحة لا تحمل حلما فقط ففي كل الثورات كان هناك فلسفة نظرية شكلت على الأقل قاعدة التفكير بعملية التغيير، وربما من هذه المقاربة يصبح الحلم بكارل ماركس وهو يصلي التراويح مشروعا لأي من يشاهد ما يحدث اليوم.

السماء اليوم تبدو أكثر صفاء، وهو تعبير مجازي عن هذا الفراغ الفكري والسياسي الذي يجعل غطاء الثورات مكشوفا، فنحن لسنا بحاجة لقوالب جاهزة، ولكن على الأقل لقاعدة فكرية تجعلنا قادرين على تصور المستقبل، وتحرير أنفسنا من أوهام العناوين العريضة التي شهدناها خلال أربعة أشهر، ابتداء من نداءات الحرية والتعددية وانتهاء لشعر شاهدته في شريط فيديو دون أن أعرف هل صحيح ينادي بـ"سورية إسلامية".

السماء الصافية تضيع فيها العناوين، لأنها تحتاج إلى تفكير يستطيع إيجاد إبداع مختلف قادر على صياغة سورية بصورتها المستقبلية.