هي مسألة أيام، فعندما ننحني أمام طيف القادم فإننا نقصد التحية، ونرى أنفسنا عبر الغد رغم صعوبة اللحظات، فإذا جاء رمضان عرفنا بان الإيقاعات القديمة باتت مستحيلة، وأن توقف المعرفة المتبقية لدينا مرتبط بأربعة أشهر ربما مسحت عنا صورة لكنها لم تفلح في وضع لمسات نستطيع بها تمييز أنفسنا أكثر، أو معرفة الخطوط الجديدة التي يمكن أن نشاهد بها تفاصيل الوجوه دون التباس... ألهذا الأمر يخاف البعض من الحدث الرمضاني؟ ربما لكننا في النهاية مجبرون على دخول إيقاع شهر الصوم وسط حر قاتل واحتمالات إعلامية كئيبة، لكن الانحناء للقادم سيكون أيضا ضروريا لأنه أوحى لنا بمسارات لم تكن متوقعة.

في أحداث الأشهر الأربع الماضية الكثير من الكلام الذي أغضبنا وجرفنا وعدل مساراتنا بشكل دوري، وأشك بأن من شهد أول احتجاج كان يعرف تماما إلى أين تسير الأمور، فمسألة "العوامل المضافة" في سورية ربما تبدو حتمية، وربما يظهر المجتمع السوري وسط جدل حاد وافتراق وأحيانا توافق، ثم تصبح الصورة أكثر ضبابية مع مواجهة الساحة الافتراضية، فهل أخطأنا في مثل هذه المواجهة؟ وهل تلك الساحة بالفعل المنبر الذي يمكن أن نجعله "منطقة نضال"؟

لا نستطيع امتلاك يقين كامل بشأن الأسئلة المطروحة عبر أربعة أشهر، فالشيء الأكيد أن ما جرى جسد في جانب حراكا اجتماعيا، وليس بالضرورة تظاهرات أو احتجاجات، فكان يكفي التفكير بالمستقبل حتى يبدو الحراك نوعا من محاولة الاطلاع على "الآخر" مهما كان موقفه، وسواء انجرف أكثر من اللازم أو حاول أن يرسم مسارات واقعية، فقضية سورية كشفت الغطاء عن الفراغ الذي أصابنا مع غرقنا أكثر في التفاصيل.

ربما لأول مرة منذ سنوات لن تطفو على الساحة الرمضانية أنباء الدراما السورية كما هو معتاد، على الأخص أنها أُعدت قبل الأحداث الحالية، وظني أن الناس لن تشيح وجهها عن تلك الدراما لكنها في نفس الوقت ستنشغل أكثر بالترقب وانتظار أحداث الأيام المتتالية بعد نبوءات إعلامية بشأن التظاهر، في المقابل هل يمكن أن ننبش حركة الاحتجاجات أكثر؛ مبتعدين عن الأبعاد المطلبية أو حتى الدوافع الذاتية مهما اختلفت للدخول برؤيتها كظاهرة غير متوقعة هاجمتنا؟

رؤية التظاهرات اختلفت كثيرا خلال الأشهر الماضية، وأشرطة الفيديو أيضا تحولت ودخلت بأطوار مختلفة وفي النهاية لم تعد تملك نفس عامل الدهشة، لكننا نقف عند حد واضح: هل حدثت تظاهرة؟ وأين وكم عدد المتظاهرين؟ وبعد أشهر من الحدث السوري يمكن أن نعيد تلك الأسئلة فالموضوع لم يعد بحاجة لمقارعات إعلامية يومية، وربما علينا البدء بقراءة تلك الظاهرة من زوايا ربما لا تنسى نوعية الحملات الإعلامية القائمة، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار ما قامت به تلك الظاهرة على المستوى الاجتماعي، ومدى "الانكشاف" الذي أحدثته ثقافيا وفكريا وحتى على مستوى العلاقات...

هل يمكن لرمضان أن يشكل نقلة من نوع خاص؟ حتى اللحظة أشك بذلك ولكن عليّ التمسك بالأمل كي لا يصبح الأمر مجرد محطة للتصعيد فقط.