يبدو أدونيس في في مقاربته للحدث السوري المحتدم لإي مقالته (أبعد من النظام أوسع من السياسة)، وكأنه ينعي بندم وربما (بإنقهار) عصر النهضة الذي أفل دون أن يستطيع تفكيك الصدأ الذي أحاط بالعقل الجمعي للأمة ناهيك عن النظر فيه كمحاولة لإصلاحه أو تغييره، هذا العقل الذي أنتج ثقافة جمعية مستنسخة عن ذاتها، يتم تكرار استخدامها مع تكرار فشلها وتكرار الذرائع التي تبرر هذا الفشل، مع إنتاج كافة التوابل اللازمة، لإعطاء هذا الاستنساخ قيمة درسيه بمعايير (لا يموت الديب ولا يفنى الغنم).

ربما كانت المقالة تحمل سؤلا مؤسسا أطلقه أنطون سعادة ذات مرة على سبيل المعرفة (وليس العلم بأية حال) قائلا: "ما الذي جلب على شعبي هذا الويل" حيث يبدو هذا السؤال مؤسسا وثوريا في آن معا، وهو نفسه السؤال الذي قفزت من فوقه الثورات اعترافا بوجوب أفول عصر النهضة (أو التنوير أو الحداثة وحتى العولمة الخ)، واستعادة العقل الجمعي زمام الاستنساخ الثقافي، ليتم تجاهل هذا السؤال دائما وعلى أي صعيد كان (ثقافي اقتصادي حقوقي اجتماعي الخ)، في تجل واضح لاكتمال معرفي وهمي وواهم، يعبر عن استخدام مضلل للثقة بالمعرفة، ما يوصل ودوما الى نتائج وخيمة تستفيد من الإنهاك المجتمعي الناتج عن قيام ثورات محسومة النتائج بناء على مقدمات لا يمكن أن تنضح إلا بما فيها، خصوصا في الحقل المجتمعي الذي لا يحتمل بتاتا دولة إلا بالمعنى اللغوي، فالمقدمات لا تشي بمجتمع من نفس صنف وجنس ونوع الدولة بمعناها المفيد، فالمجتمع المؤسس على قيم ومفاهيم محددة لا يعطي إلا دولة متطابقة مع هذه المفاهيم ، حيث لا هروب من نتائج هذه المقدمات إلا بتمطيط الزمن عبر استنساخه، ليبدو الصراع على حيازة الزمن يعود بنا إلى التوهم المعرفي في تكرار إزاحة معنى الدولة إلى معنى لغوي سقط منذ أمد بعيد ألا وهو الدولة التي تدول لهذا أو لهؤلاء أو لغيرهم، حيث يتم حبس هذا التعريف في الثقافة الجمعية والتحرز عليه لضمانة استخدامه مستقبلا لتتكرر الحكاية ويتكرر الانسداد، خصوصا مع الارتقاء التقني السريع في المفاهيم الاجتماعية التي تجعل من أي مجتمع في هذه الدنيا في حال تحفز إلى التغيير حتى ولو أدى إلى الاستغناء عن الواقع فما بالنا بالماضي المتراكم على نسخ وطبقات متشابه، والتغيير أو الإصلاح مشروطان بهذا التحفز الذي يتجاوز الاستعداد أو القبول، بمعنى الإجابة الصريحة المحايدة عن سؤال أنطون سعادة، دون مواربة أو اختلاق محاسبات إتهامية أو تخوينية في محاولة للهروب من الإجابة، وربما كان مأزق أدونيس الأكبر هو تلك الإختلاقات التي تجعل الحوار معه أو في رأيه تتم من خارج الطرح الذي يقدمه .

يسأل أدونيس :لماذا لم ننجح نحن العرب ببناء مجتمع مدني حتى الآن؟ سؤال من المعيب أن يطرح ونحن في بداية العشرية الثانية من الألفية الثالثة ، ولكن الواقع يستعيده من (سكراب) عصر النهضة، ولما تزل الإجابة عليه (ومن خارجه طبعا)، كأن جيب أحدهم (محاورا)، إن أدونيس يحاول أن يموه عن علمانيته باستخدام كلمة مدنية ولكنه يقصد العلمانية!!! أو أن يقول آخر هذا السؤال سابق لأوانه فنحن الآن منهمكين بالتغيير... وهكذا دواليك.

المشكلة التي يومي إليها أدونيس هي في الاستنساخ الناتج عن استنساخ المعاير من قيم ومفاهيم ثابتة، فإذا لم نمتلك الطاقة الثقافية الجمعية الكافية للاستغناء عنها واعتماد معايير جديدة وجدية معاصرة تحديدا ودون استثناءات وهوامش تبريرية وذرائعية، فإننا سنظل خارج ما يسمى "مجتمع" البنية الوحيدة القادرة على إفراز أو إنتاج "دولة" بالمعنى القصدي للكلمة.