خلال أقل من يومين تحولت المواقف الإقليمية، العربية منها تحديدا، تجاه الأزمة التي تعيشها سورية، وبغض النظر عن نوعية هذا التحول لكن المسألة تكمن في الآليات التي تم إتباعها في هذا الموضوع، فالمسألة بالنسبة لدول الخليج تحديدا لا تحوي أي مقدمات وهو مشابه للتحول الذي شهدناه عشية قمة الكويت الاقتصادية، فتلك المواقف غالبا ما تظهر من قراءة حدث دولي تمثل في الموضوع السوري من البيان الرئاسي لمجلس الأمن ومن تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، ورغم ان الفعل السياسي المترتب عن تلك المواقف يحتاج بدوره إلى حدث دولي، لكن المسألة بالنسبة لسورية تتعدى مثل هذا الأمر، لأن التحرك العربي والخليجي تحديدا لم يقدم في يوم من أيام مبادرات لـ"تطويق الأزمة" بل كان بشكل دائم "فتح مبررات" لنقل الأزمة من نطاقها الإقليمي باتجاه ساحات التدويل.

هذا ما حدث عمليا في العراق ولبنان وليبيا واليمن وحتى في الموضوع الفلسطيني، فالعامل العربي لا يملك اعتبارات واضحة في مسألة تحديد موقفه من الأزمات، وهو في أي تحرك يسعى، عن قصد أو غير قصد، لتشكيل إطار دولي قادر على الدخول إلى الأزمة من خلال التعقيدات التي تضيفها المواقف العربية، ويبدو أن الموضوع السوري مؤهل اليوم لمثل هذا التشابك وذلك بعد المواقف الصادرة من مجلس التعاون ومن المملكة تحديدا، وهذا التطور الخليجي يطرح ملاحظتين أساسيتين:

الأولى أن المواقف الحالية لا يمكن النظر إليها من خلال التصريحات فقط، ولا عبر التأثير المباشر لتلك الدول على السياسة السورية، لأنها تشكل مقدمة ضرورية لإعادة ترتيب البيت السوري عبر تنظيم المحيط الخاص بها، وربما لتقبل أسوء السيناريوهات المتوقعة، فالموضوع السوري يحكم جملة من التوازنات الإقليمية لأنه على تماس مع كافة الأزمات ابتداء من العراق ومرورا بلبنان وانتهاء بفلسطين، وهو ما يستدعي ترتيبات إقليمية لأي تحول سيؤثر حكما على كافة التوازنات في المنطقة.

الثاني معالجة شؤون المعارضة السياسية السورية عبر محيط جديد من خلال السعودية وباقي دول الخليج، فهذا الموضوع الذي تم من البوابة التركية مؤهل اليوم للانتقال جغرافيا إلى محيط عربي يضم جالية سورية ضخمة، يقدم تكوينا جديدا عبر "وسيط" جديد عربي لتوحيد صفوف المعارضة من جهة ومن خلال مبادرات ربما تشبه ما قامت به السعودية تجاه اليمن على سبيل المثال.

عمليا فإن الخط العربي الذي ظهر على مسار الأزمة السورية ربما لن يكون جديدا من حيث دوره في محاولة التأثير على الداخل السوري، على الأخص أن الفضائيات الموجودة في الخليج كانت جزءا من الأزمة السورية وربما الليبية وقبلها المصرية، وبعضها كانت طرفا أيضا في أزمات سابقة كتلك التي عصفت بلبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، فالتشابك اليوم ربما يؤشر على أن الصراع على الدور السوري إقليميا أصبح من الصعب حسمه عبر الاضطرابات الداخلية فقط، أو محاولة تغيير الجغرافية السياسية لسورية من خلال كسر العناوين الأساسية التي كانت المؤسسة السياسية الرسمية تتحدث عنها دائما: الاستقرار والوحدة الوطنية، فالبيئة العربية ربما أُقحمت بشكل مباشر فيما يحدث لاستباق أمرين أساسيين: الأول هو نوعية الدور التركي الذي كان الأقوى خلال الأحداث السورية الأخيرة، وكان أيضا الأكثر حضورا في المرحلة السابقة التي كانت فيها دمشق وأنقرة تحاولان رسم ملامح إقليمية خاصة بهما، حيث بات من الضروري خلق خط مواز عربي بالدرجة الأولى يبرر على الأقل "المشروع التركي الحالي" أو حتى ينافسه إعلاميا على الأقل كي يكتمل المشهد الدولي الضاغط باتجاه سورية، أما الثاني فهو تحميل البيئة العربية تبعات أي انهيار ربما يصيب سورية من الداخل، فبالتأكيد لن تعيد الولايات المتحدة التجربة العراقية بنفس الآليات، لأنها على ما يبدو تحتاج أيضا لضبط أي تيارات أو قوى تنشا على الساحة السورية نتيجة الأزمة الحالية، وهو ما نراه اليوم في بعض التسميات التي يتم إطلاقها ابتداء ممن يحرك التظاهرات وانتهاء بمصطلح التنظيمات المسلحة.

ما الذي يمكن أن تفعله سورية؟ السؤال يحتاج إلى إعادة رسم الأزمة السورية من جديد ليس فقط من قبل "قادة الرأي" أو الباحثين، بل ربما لابد من إشراك الإعلام عبر خطاب جديد قادر على تحميل حتى "المتظاهرين" مسؤولية التعامل مع حساسية ما يحدث، فهل باستطاعنا بالفعل إعادة رسم كل عناصر الأزمة...