من الصعب التعليق على المواقف السياسية، أو حتى محاولة رسم أفق على مساحة ما يصدر من دول الخليج أو غيرها، فالأزمة السورية سواء كانت "مؤامرة" أو "احتجاج" غير مسبوق لا يمكنها أن تظهر فقط في مشهد إقليمي فيه من التصريحات أكثر من التحركات، وفيه أيضا نسق غريب يجمع "الإعلام" في حرب مفتوحة مع "ظاهرة" سورية بامتياز تكون نفسها حتى ولو حملت معها "الفوضى" أو الخوف من الفوضى.

المواقف الخليجية لا تحتاج لقراءة سياسية، لأنها مكون يظهر ويغيب ويؤثر وفق الخط الدولي أو ينسحب وكأن ما يجري لا يعنيه، ودون الدخول في المقاربات أو المقارنات، لكن بالفعل يمكننا رؤية الموقف الخليجي ثقافيا، ويمكننا أيضا معرفته عبر تأثيراته المتتالية على المجتمع السوري منذ الفورة النفطية، فمسألة "البترودولار" لا تعنينا بعواملها الذاتية، ولا بفرص العمل المتاحة أو حتى أيام الود التي جمعت دول الخليج مع سورية في حرب تشرين وما بعدها، لأن علينا الاعتراف أن تحولات جرت لا يمكن إهمالها، وأن الزحف باتجاه مناطق النفط بدل من بعض المظاهر التي كنا نعتقد أننا لن نعود إليها، لكن في المقابل فإن "المزاج" السوري سيبقى مختلفا عن التأثيرات النفطية حتى ولو ظهرت بقوة داخل الحدث السوري.

المسألة ليست تخفيفا من الموقف الإقليمي الذي يحيط بسورية، لأن تلك المواقف تحدد بيئة خطرة جدا، لكننا في المقابل علينا النظر إلى ما يجري بشكل "حياتي" إن صح التعبير، فنحن نعرف تلك السياحة الخليجية التي تأتي وتذهب ثم ندرك أنها تحمل معها "نموذجا" يجذب البعض ويزعج الآخرين لكنه في النهاية يبقى على مساحة السياحة، فهل المواقف السياسية مشابهة؟

الأمر معقد أكثر لكنه مرسوم على تلك الثقافة المقتنعة بأنها تملك الثروة، وأنها أيضا تتعامل وفق شروط تلك الثروة، ومن المستبعد أن تكون على مساحة الحدث السياسي تأثير عميق يلغي على الأقل هذا النوع من النظر إلى "مناطق النفط"، ومن الصعب خلق مرجعية واضحة في تلك المناطق بعيدة عن تأثير جغرافية واحدة متعلقة بالمناطق المقدسة وليس بعيدا عنها، فأن يوجه خادم الحرمين رسالة أو خطاب إلى سورية فنحن بالفعل امام مفارقة سياسية من النوع الثقيل، لأننا نفهمها في إطار عام متعلق بالوضع الدولي وربما بتصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية، لكننا أيضا نعرف أن مسألة الحديث عن الأزمة السورية من قلب المملكة السعودية ليس جديدا.

التماسك الداخلي السوري لا يحتاج لعوامل خارجية أو مبادرات يمكن أن يتبرع بها البعض، فالتجارب مع المبادرات ليست جديدة، لكننا في المقابل مطالبون بحراك سياسي حقيقي حتى لا تصبح التأثيرات الجانبية نوعا جديدا يمكن أن يزيد من عوامل الأزمة السورية.