من دافع القلق وسط "ديمقراطية" أحادية الجانب يمكن الحديث عن تييري ميسان كصورة من أزمة الحريات والسياسة، فمسألة اختلاف الرأي أو ربما "الضعف" في مواجهة حالة "العولمة الإعلامية" يبدو نموذج تيري ميسان صورة لا يمكن إغفالها، وربما قبل أن تظهر شبكة فولتير أو حتى ينتقل كتابه "الخديعة الكبرى" عن احداث الحادي عشر من أيلول إلى اللغة العربية.
مشكلتنا مع تييري ميسان أنه يبحر معاكسا لأي اتجاه إعلامي، وقضيتنا منذ أن أصبحنا شركاء هي تجاوز شغفه بمهنته الحدود التي نعرفها، وقلقنا من وجوده الان في طرابلس متعلقة بنوعية الرأي الذي قدمه ويقدمه، ليس تجاه الشعب الليبي بل في مواجهة سياسات الناتو التي طالما تحاورنا حولها، وقبل عامين كان يعتقد أن استراتيجية الناتو في مأزق بعد نههاية حلف وارسو، وأن الصورة المستقبلية هي أن يصبح حلف شمال الأطلسي الذراع العسكري لمجلس الأمن.
آراء تييري ميسان بقيت تعاكس التيار السائد في بلده الأم فرنسا، لكن المسألة لم تكن فقط في نوعية الأفكار بل في طريقة بنائها، وهو ما شكل نقطة استقطاب لمجموعة أبحاثه أو تحقيقاته التي كانت قادرة على نسف الروايات الكلاسيكية لأي حدث، وربما لطريقة هذا البناء استطاعت سورية الغد الالتقاء به لتصبح جزء من شبكة فولتير.
ما يقدمه تيري ميسان اليوم في طرابلس، ونحن نتمنى رؤيته قريبا رغم كل المخاطر، يخترق البنية الإعلامية التي تم تصويرها من خلال "الأشرطة" أو حتى "الشاهدات"، وهو يحاول تجاوز سياسات الدول التي لا تعنيه بقدر اهتمامه بعمليات بناء الروايات الإعلامية وطريقة إقناع الرأي العام بها، وهو أمر يشبه إلى حد بعيد طريقة "بناء حدث" حتى ولو لم يكن يحمل أرضا أو واقعا أو حتى مبررا، فالمهم هو التداعيات اللاحقة التي تؤدي إلى مسار جديد.. هذه هي نظريته في ليبيا وحتى في "الثورات الملونة" التي اجتاحت العالم مع بداية القرن الجديد، فهو عايشها من مكان وقوعها وقدم وصفا دقيقا لآلية انتشارها.
تيري ميسان اليوم في طرابلس يقدم نموذجا يعاكس الرأي الإعلامي القادم إلينا من الفضائيات، لكنه في المقابل يحاول الابتعاد عن مسائل كسر السياسات لأن نظره يتجه نحو استراتيجيات متأقلمة مع حالات دولية قائمة اليوم وتتحرك باتجاهات تسعى دائما لفرض نموذجها العام.
تييري ميسان نحن بانتظارك...