لكن سؤالي هو حول مسألة اختيار التسجيلات... فهل هناك سوري يسعى لنبش اليوتوب لكي يتسلح بالتعصب؟! لو أن القنوات الفضائية تركت للمجتمع السوري حرية اختيار ما يريد رؤيته في اليوتوب فهل سيذهب باتجاه مظاهر التعذيب
تختار قناة BBC شريطا مصورا وترسم حوله حدثا كاملا، ومن بين مجموع الصور وتسجيلات الفيديو على اليوتوب هناك إمكانية لخلق مأساة حقيقية، ولجعل المساحة السورية نوعا من الهشيم الذي يضربنا، وفي نفس القناة وحول نفس الشريط يتم استحضار الآراء والحديث حول "الصراع المذهبي"، وبالتأكيد فإن خلق "الحرب الأهلية" يبدو أسهل مما نعتقد، لأننا نسبح اليوم بالذات داخل موجة تضربنا كي نسمع الآراء ثم لا يهم إن صدقناها أو بقيت في ذاكرتنا كنوع من الحملات الإعلامية الدائمة.
لكن سؤالي هو حول مسألة اختيار التسجيلات... فهل هناك سوري يسعى لنبش اليوتوب لكي يتسلح بالتعصب؟! لو أن القنوات الفضائية تركت للمجتمع السوري حرية اختيار ما يريد رؤيته في اليوتوب فهل سيذهب باتجاه مظاهر التعذيب التي تُرفع كل يوم على هذا الموقع؟ وهل هذا الموقع لا يملك نفس القواعد التي تضبط شبكات التواصل الاجتماعي من حيث عدم التشجيع على العنف؟
الأسئلة موجهة اليوم للقنوات الفضائية التي تقوم بعمليات الانتقاء والاختيار، وهي مسؤولة عن أي حقد يظهر في سورية، فالمسألة لا تتعلق باختيار السوريين أو تشكيلهم لظاهرة في بحثهم عن التسجيلات التي تحمل عنفا أكثر وقتلا مروعا، وما يتم تناقله اليوم على الهواتف المحمولة من صور مروعة لم تصبح "ظاهرة" لولا عمليات الترويج المتعمدة، ولولا الروايات التي يتم تناقلها باستمرار ثم يتم دعمها بالصور.
منذ بداية الأحداث كان هناك كم يتجاوز المعقول في التسجيلات التي يتم تناقلها، ولا أعرف لو سمح لأجهزة الإعلام التنقل بحرية هل كانت هذه الظاهرة ستتوقف؟ أنا لا أملك جوابا قطعيا لكن عدد تلك الأشرطة المسجلة يعطي على الأقل قناعة بأنها جزء من "الحدث" وليست نتيجة اعتيادية له، وهي مسألة توضح أن عمليات التصوير سواء كانت مفبركة أم حقيقية كانت لخلق ظاهرة سواء كان الإعلام على الأرض السورية أم لم يكن، فهناك رغبة عارمة في خلق "حدث عنيف" يوجد على المساحة السورية عددا لا يحصى من الشبكات التي تنقل الصور.
لم يكن الدخول إلى اليوتوب مسألة مستعصية على أي سوري، وأنا شخصيا كتبت قبل أربع سنوات عن ظاهرة داخل اليوتوب تستهدف النساء تحديدا والرغبة الذكورية في تصوير "مغامرات العشق" على اليوتوب، لكنني لم أتخيل يوما أن يصبح الأمر أمامي ظاهرة مختلفة تماما، لا تهدف للتوثيق أو المتعة، بل تنتقل نحو إيجاد ظاهرة اجتماعية انطلاقا من هذه الشبكة المتخصصة في نقل "الفيديو" إلى كل أفراد المجتمع.
اكتشفت بعد عشرة أشهر كم يدهشني "التشويش" والقدرة على "التخريب الاجتماعي"، وكم نحن بحاجة لحراك مدني بالدرجة الأولى يجعلنا في مواجهة ذاتنا وفي معرفة مصالحنا، فنحن على ما يبدو أسرى ظاهرة افتراضية لا يمكنها أن تصبح بديلا للبيئة الاجتماعية الواقعية، لكن الظاهرة الافتراضية قادرة على تبديد كل أحلامنا وآمالنا ورغبتنا في الحياة على جغرافية جمعتنا دائما.